بات قرار إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها أمراً محسوماً، لأن منسوب الضغط الدولي يرتفع وقوى الداخل غير قادرة على نسف هذا الإستحقاق.
تُطرح أسئلة كثيرة قبل موعد الإنتخابات المقررة في 8 أيار المقبل (إذا لم يُعدّل موعدها) أبرزها لماذا تنحصر المعركة على الساحة السنية والمسيحية، وهل قوى المجتمع المدني قادرة على إختراق حصن “الثنائي الشيعي”؟ وما هي قدرة القوى الجديدة على إحداث خرق في مكان ما؟
وإذا كانت خريطة المعركة ترتسم في الساحة المسيحية بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ” وبعض القوى الجديدة التي تحاول أن تدخل وتُحدث الخرق، إلا أنّ الغموض لا يزال يلف الساحة السنية، خصوصاً مع ما يُحكى عن تقهقر قوة تيار “المستقبل” وشعبيته.
لا شكّ ان “المستقبل” خسر من رصيده خصوصاً بعد نجاح الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف حكومة عجز عن تأليفها الرئيس سعد الحريري، ما يطرح مستقبل الحريري السياسي على طاولة البحث. وفي السياق، يبقى اللغز الكبير هو ماذا سيفعل رجل الأعمال بهاء رفيق الحريري وكيف سيتصرّف في المرحلة المقبلة، وهل سيدخل الحياة السياسية من بوابة الإنتخابات النيابية ويشكّل البديل السني لشقيقه سعد؟
قد تكون هذه الأسئلة كبيرة جداً لكن هناك مؤشرات عدّة توحي بأن بهاء الحريري بات في قلب اللعبة السنية والوطنية، ويرفض بهاء أن يُحصر في الشارع السني فقط، وهو يركّز حالياً على تقديم المساعدة والإعانة في كل المناطق اللبنانية من دون تمييز، حيث يطمح إلى بناء قوّة تغيير وطنية ربما تكون إنطلاقتها من الساحة السنيّة.
ولم يُحسم بعد قرار خوض بهاء الحريري الإنتخابات النيابية شخصياً، لكن الأكيد أن الرجل عازم على دعم لوائح مواجهة لتيار “المستقبل” وغيره مِمَّن يعتبرهم قوى سلطة في بيروت وطرابلس وعكّار والضنية والبقاع وحتى الجنوب والجبل، وبالتالي فان دخول بهاء الحريري سيعطي طابعاً جديداً لمعركة إنتخابية هي الأشرس في تاريخ لبنان.
ومن جهة ثانية، لا يُحبّذ بهاء الحريري سياسة المقرّات، وبالتالي فان هذا الأمر يعتبر ثانوياً خصوصاً عندما تطرح مسألة سكنه في لبنان، إذ إن الأساس بالنسبة له هو النشاط على الأرض والفعالية وليس التصاريح ومنطق “إستقبل وودّع”، لذلك ليس هناك أي موعد ثابت لوجوده في لبنان نهائياً.
وينطلق بهاء الحريري من سياسة واضحة رافضة لممارسات “حزب الله” وسيطرة “الدويلة” على الدولة وتشريع الفساد ونسف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، الذي يصطدم بمواجهة من قبل شقيقه سعد و”حزب الله” وحركة “امل” وتيار “المردة”، لذلك فان نشاطه على الأرض سيستمر بوتيرة مرتفعة ويحاول ملء الفراغ الذي تركته قوى أخرى وعلى رأسها تيار “المستقبل”.
وإذا كان التجاهل السعودي واضحاً تجاه شقيقه سعد، إلا ان هناك مؤشرات مهمّة تدل على علاقة جيدة مع الرياض، فمنصة بهاء الإعلامية التي أطلقها مع جيري ماهر، أي “صوت بيروت إنترناشونال”، والتي تتقدّم إعلامياً، تستعدّ لتوقيع عقد شراكة وتعاون مع مجموعة “روتانا” التي أصبحت تحت وصاية الدولة السعودية وليست ملكاً حصرياً للأمير الوليد بن طلال، كذلك فان “صوت بيروت إنترناشونال” قد توقّع في الفترة المقبلة عقود تعاون مع مؤسسات إعلامية سعودية رسمية، ما يدلّ على رضى سعودي على حراك بهاء.
بات دخول بهاء الحريري إلى السياسة اللبنانية أمراً واقعاً لكن هذا الأمر يتوقف على مدى حراكه في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك نقمة عارمة في الشارع السني على تيار “المستقبل” نتيجة الوضع الإقتصادي المتردي وتسويات سعد مع “حزب الله”، وتنازلاته المستمرة وحلفه السابق مع النائب جبران باسيل، وبالتالي هل سيكون بهاء البديل ويؤسس زعامة وطنية مثل والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري ويشكّل رافعة لقوى التغيير، نظراً لما يتمتع به من علاقات دولية وقوة مالية وخطاب سياسي واضح، أو أن التركيبة اللبنانية ستجرّه إلى الزواريب الطائفية وعندها يتقوقع ويصبح “مثله مثل غيره”؟ أسئلة وتحديات تجيب عليها المرحلة المقبلة ويتم التثبت منها بالتجربة وهي خير برهان.