حتّى لا تتحقّق نبؤة كميل شمعون

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

لم تمرّ زيارة الحبر الأعظم إلى العراق منذ أشهر قليلة مرور الكرام. تتدثّر قوى ظلامية هناك بدعوة رئيس الكنيسة الكاثوليكيَّة للحوار بين الأديان من بلاد الرافدين لتدعو علناً للتطبيع مع العدو. تأكيد على تغيير في مقاربة الولايات المتحدة لأزمات المنطقة بعد قرب انسحابها الكامل من العراق. تطبيع كمكافأة للإنسحاب الأميركي. جائزة ترضية للأميركي بعد انسحابه من أفغانستان من دون أي مكسب إستراتيجي. مؤتمر أربيل يصبّ في هذه الخانة.

من جديد، منظمات المجتمع المدني العراقي نجوم الحراك. هذه المنظمات التي أخذت في لبنان مداها الأكبر بأوامر مهمات سياسية واضحة. قلب موازين القوى وأخذ لبنان إلى ” الأربَلَة “. لا يعرف أحد في العراق شيئاً يُذكَر عن هذه المنظمات غير الحكومية. تعمل تحت جنح الظلام . شأنها شأن المترجمين الأفغان وما أكثرهم ينخرون جسم الإقليم. إفقار للشعوب وتمويل للمنظمات حتى تتحول إلى حكومات ظلّ. في لبنان تتحوّل إلى ما يشبه قوة إحتلال. بدأت بالإستيلاء على يافطات الإعلان. تتمدّد على الإعلام وتنشط في المرحلة المقبلة للإستيلاء على صناديق الإقتراع. في العراق زمن إنتخابي والمشروع نفسه، إعلان وإعلام وصندوق إقتراع مع صلافة مضافة تتمثّل بمؤتمر يُعمَل حتى يتكرّر ليطال العاصمة العراقيّة. إرهاب فكري كبديل عن إرهاب مسلّح بعد سقوط الأذرع المسلّحة لداعش وأخواتها.

المال يأمر. المؤتمر المذكور غطّى كل تكاليف الإقامة الوثيرة في فندق فخم مع طاقم نقل بري مبرَّد ووجبات طعام فاخرة. أَشبِع العين والبطن معاً. أقل كلفة من توما هوك وناقلات الطائرات والبوارج الحربية وصيانة المناظير الليلية. هي الإستراتيجية الجديدة المبنية على معادلة تقليص المصروف وتضخيم المردود. الصين أولى بالخزينة الأميركيّة في المواجهة من تدجيج الجنود وحمايتهم في معسكرات مغلقة.

الدعوة مثيرة في عناوينها. محاربة الإرهاب ونبذ التطرف والحوار بين الأديان. من لا تغرّه عناوين مماثلة؟ العدوى وصلت إلى الحكومة المركزية في بغداد لِنخرها بالسوس من الداخل. المستثمر يريد بيئة آمنة والعشائر تحرّكها هذه الشِّيَم.

ما لم يتحضّر لسماعه المؤتمرون هو الحديث عن إقليم سنّي في العراق. يعود بي هذا التطور الخطير في إربيل إلى ما قاله الرئيس الراحل كميل شمعون نقلاً عن الصحافي توماس فريدمان من أنَّ: “لبنان لا يتقسم إلاّ اذا تقسّم العراق، فإذا شاهدتم العراق يتقسم، فهذا يعني بداية مرحلة الدويلات الطائفية والعرقية في المنطقة وليس في لبنان فقط “. من إربيل إلى بيروت محاولة يائسة لتحقيق نبؤة شمعون.

إقليم سنّي في العراق سيتحوّل بسرعة إلى دولة إسلاميّة وملجأ لكل الأصوليات في الإقليم والعالم وتصدير لكلّ داعية يطمح لإقامته في أوروبا. حصر داعش في غيتو وضربها ببقية المكونات ودفعها إلى تشكيل غيتوهات مماثلة. حلّ مثالي للعدو الصهيوني يسهّل عليه إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومة الفلسطينيّة وإستسهال القضاء عليها بغطاء دولي.
عَلَم الدولة الصهيونيّة وجد له حيّزاً في المؤتمر عبر السلايدات أولاً. تطبيع ذهني مع العَلَم قبل التطبيع السياسي.

المؤسف أنَّ أحداً في الحكومة العراقيّة لم يستَدعي الموظفة في وزارة الثقافة العراقية سحر الطائي التي تلت البيان الختامي للمؤتمر مطالبةً بتطبيع كامل مع العدو وبتعاون مع ما سمّته الشعب الإسرائيلي. مستوى لم تصل إليه دول وقّعت سلاماً مع العدو مثل مصر حيث ما زال الشعب المصري يتحسّس حتى من ذكر إسم مسؤول صهيوني في الدولة العبرية.
العراق يتعرّض إلى إجتياح لكل مؤسساته من نيويورك وتل أبيب. المشاركون عبر زوم كانوا صهاينة متمرّسين. القضاء العراقي تحرّك ضدّ سحر الطائي وبعض المنظمين في ظلّ حماسة حكوميّة غير كافية. الأنفع كان مزيداً من اليقظة والتحسّب قبل إنعقاد المؤتمر. تفادي إنعقاده كان أسهل من معالجة تداعياته. تفادي مؤتمرات مشابهة في بيروت ضرورة وطنية وقومية حتى لا تتحقق نبؤة كميل شمعون.

Exit mobile version