اندريه قصاص -لبنان24
مشهدان متناقضان شغلا اللبنانيين يوم الجمعة في 24 أيلول. الأول من قلب باريس والثاني من قلب بيروت. المشهد الأول حمل الكثير من التفاؤل. أمّا المشهد الثاني فكان فيه الكثير من الحزن. في لقاء الرئيس الفرنسي والرئيس نجيب ميقاتي إرتياح وأمل وتطلعات وتأكيد ما هو مؤكد من أن فرنسا لن تخذل لبنان ولن تتركه وحيدًا ومستفردًا ولقمة سائغة. أمّا في لبنان فكان المشهد مغايرًا، حيث سادت العتمة معظم المناطق اللبنانية، بعدما أعلنت شركة كهرباء لبنان عن إنفصال خطوط الإمداد عن الشبكة الرئيسية كليًّا، وهذا يعني ان لبنان قد أصبح من دون كهرباء.
ومن المفارقات أن حديث الرئيسين ماكرون وميقاتي تناول في جزء كبير منه ملف الكهرباء في لبنان، وأن بداية الإصلاح في لبنان يجب أن تبدأ من هذا الملف بالذات، وفق ما جاء في الورقة الفرنسية، التي رسمت للبنان خارطة طريق إصلاحي طويل وشاق، وهو أمر لا بدّ منه كشرط اساسي لكي يتمكّن ماكرون، الذي كان واضحًا وصريحًا مع الرئيس ميقاتي، من أن يحمل لواء الدفاع عن لبنان أمام المجتمع الدولي لكي يحرّر المساعدات المقررة للبنان.
فمن دون هذه المساعدات، ومنها ما يجب أن يكون فوريًا وعاجلًا، لن تتمكّن حكومة “معًا للإنقاذ” أن تفشخ فشخة واحدة في ورشة التعافي. فالمشاكل كبيرة جدًّا، وهي أكبر من إمكانات اللبنانيين أنفسهم، على رغم الإرادة الطيبة، وعلى رغم قوة العزم التي تتمتع بها هذه الحكومة، رئيسًا ووزراء.
لم يكرّر ماكرون في لقاء أمس الأول ما سبق أن قاله وزير خارجيته جان إيف لودريان من أنه يجب على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم قبل ان يطلبوا مساعدة الآخرين لهم، بل طلب المباشرة بمسيرة الإصلاحات المالية والإدارية، وهي ممكنة وفي قدرة اللبنانيين تحقيقها، خصوصًا أن البيان الوزاري تضمّن، وبوضوح، خارطة طريق إنقاذية في كل المجالات، ولاسيما في مجال مكافحة الفساد ومحاربته بالفعل وليس بالقول فقط. وهذا الأمر يتطلب تعاونًا وثيقا وجدّيًا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. فالحكومة لا يمكنها التصفيق وحدها، بل تحتاج إلى مواكبة تشريعية سريعة ورشيقة، سواء في العقد العادي أو الإستثنائي، على أن يوضع موضوع موازنة العام 2022 على جدول أول جلسة لمجلس الوزراء، بعد الإنتهاء من تمرير المراسيم العالقة، والتي تحتاج إلى قرارات عاجلة.
البداية لن تكون سهلة، ولكن لا بدّ منها على طريقة “الخطوة خطوة”، أو ما يسمى بـ”الإنجازات السلحفاتية”، أو بمعنى آخر ، وكما يقول إخواننا المصريون “توبة فوق توبة بتعمّر حيط”.
فمع جرعة الدعم المعنوية التي تلقاها الرئيس ميقاتي من صديقه الرئيس ماكرون يمكن الإنطلاق في مسيرة الألف ميل الإصلاحية، على أمل أن تكون هذه الورشة مقدمة لازمة وطبيعية لإقناع المجتمع الدولي بمدّ يد المساعدة للبنانيين، ولتزويد الرئيس الفرنسي بالحجج الكافية، التي تمكّنه من أن يتولى مهمة المرافعة عن لبنان أمام دول العالم، التي تراقب عن كثب عمل الحكومة الميقاتية، وما يمكن أن تحقّقه من خطوات متتالية ومتوالية في معركة تحدّي الذات، وفي معركة إثبات قدرة اللبنانيين على مساعدة أنفسهم كمقدّمة لا بدّ منها لتقريب موعد المساعدات الخارجية. وهذا ما سيتبلور تباعًا، ووفق ما تسمح به الظروف المؤاتية.