ملاك عقيل -أساس ميديا
ولكلّ من رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ما يكفي من “الأسباب الموجبة” التي قد تؤدّي إلى تنحية القاضي البيطار عن الملفّ تمهيداً لتعيين محقّق عدلي آخر. وهذا يعني استطراداً توقّف التحقيقات الجارية في قضية المرفأ، وتأخير صدور القرار الظنّيّ تمهيداً لتصويب مسار ملفّ التحقيقات.
وثمّة نقطة جوهرية في مسار بدء التحقيق مع القاضي البيطار ألمح إلى جزء منها النائب نهاد المشنوق في خطابه من دار الفتوى أمس الأوّل، الذي دشّن من خلاله مرحلة المواجهة مع البيطار “بالقانون والدستور والسياسة”.
فقد ذكّر المشنوق بما سبق للبيطار أن قاله في الإعلام، والذي يلجأ إليه الأخير عند الضرورة من ضمن استراتيجيّته في العمل، من أنّ “التغيير (في البلد) يجب أن يحدث”، موحياً بلعبه دوراً سياسياً، وليس قضائياً فقط، في استجابة “لِما يطلبه الشارع”.
وفيما دعا المشنوق القاضي إلى أن يعبِّر عن رأيه في الشارع وليس من موقعه القضائي، فإنّ “نسخة” البيطار اليوم تختلف عن تلك التي اتّسم بها حين طُرِح اسمه ليكون محقّقاً عدلياً في القضية قبل تعيين القاضي فادي صوّان.
يومئذٍ أسَرّ البيطار لبعض سائليه عن سبب رفضه المهمّة بأنّ “الملفّ سيعرّضني لضغط هائل، ويحتاج إلى شعبوية، فيما مساره يُظهر أنّ القصة هي إهمال فقط، وليست بخلفيّة النيّة الجرميّة المقصودة، وهو ما يجعل العقوبة في القانون لا تتناسب مع حجم الانفجار الذي أوقع عدداً كبيراً من الشهداء”.
وفي هذا الإطار يُطرَح السؤال البديهي: هل قرّر المحقّق العدلي بعد تسلّمه الملفّ السير في طريق الشعبوية، ولخدمة هذا الغرض خرق الدستور والقانون وسيَّس الملف؟
تهديد وفيق صفا؟
ربّما من آخر مظاهر هذا التسييس الإيحاء بأنّ ثمّة مَن يريد “قبعه” من محلّه بالقوّة بعدما ضجّت الساحة الداخلية بالتهديد الذي قيل إنّ مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا وجّهه إليه عبر وسيط إعلامي للزميلة لارا الهاشم.
وقد كان لافتاً عدم تطرُّق كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) إطلاقاً إلى تحقيقات المرفأ، وما نُسِب إلى مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا من توجيه تهديدات إلى البيطار.
ولا بدّ من التساؤل في هذا الصدد: إذا حصلت التهديدات فعلاً أفلا تجب ملاحقة الحاج وفيق صفا ومحاسبته عليها؟
عمليّاً، وبعد تدشين الوزير السابق فنيانوس باكورة الدعاوى بتقديم دعوى ارتياب مشروع بالمحقّق العدلي أمام الغرفة السادسة من محكمة التمييز برئاسة القاضية رندة كفوري، يتكرّر مشهد “الارتياب” بالمحقّق العدلي السابق فادي صوّان حين قدّم الوزيران علي حسن خليل وغازي زعيتر في 16 كانون الأول الماضي دعوى ردّ لنقل الملفّ إلى قاضٍ آخر، ثمّ تجديد طلب النقل في 21 من الشهر نفسه بعد توافر المزيد من الأسباب الموجبة للارتياب المشروع بأداء صوّان جاء في مقدّمها توافر “شبهات جدّيّة بحصول تدخّلات واضحة وفاضحة في مسار التحقيق على الرغم من محاولة صوّان إخفاء هذه التدخّلات تحت مسمّيات مختلفة”.
وهي اتّهامات أُضيفت إلى الاتّهام الأوّل بتجاوزه الدستور في تماهٍ مع الشبهات والاتّهامات الموجّهة اليوم إلى البيطار، والتي عكسها بشكل علنيّ المشنوق من دار الفتوى، ووصلت إلى حدّ اتّهام البيطار تلميحاً بأنّه يأتمر بتعليمات مستشار رئيس الجمهورية وزير العدل السابق سليم جريصاتي.
وسيقدّم المشنوق دعوى ردّ بحقّ القاضي البيطار، بالتنسيق مع وكلاء الدفاع عن الرئيس حسان دياب، إضافة إلى دعوى أخرى من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر.
مهلة الردّ على الدعوى
على محكمة التمييز الجزائية البتّ بكلّ دعوى على حدة. ويبدأ المسار بمهلة عشرة أيام للردّ على أولى الدعاوى المقدّمة من جانب وكلاء فنيانوس، لكونه أوّل مَن صدرت بحقّه مذكّرة توقيف غيابية. وهي مهلة تتعلّق حصراً بملاحظات فرقاء الدعوى على دعوى الارتياب، ومن ضمنهم القاضي البيطار، الذي سيردّ على ما سيق ضدّه تمهيداً لصدور قرارٍ يفصل بين احتمال تنحيته أو استمراره بالتحقيق.
ولا توقف دعوى الارتياب عمل المحقّق العدلي، الذي يستطيع استكمال عمله. وعلى محكمة التمييز الجزائية بعد ورود الأجوبة والملاحظات إليها من فرقاء الدعوى أن تجري المُذاكرة ضمن مهلة معقولة تراوح في العادة بين أسبوع وعشرة أيام، لكن قانوناً ليس هناك مهلة ملزِمة للمحكمة.
ومنذ لحظة تقديم البيطار ردّه إلى محكمة التمييز في دعوى الارتياب المشروع يستطيع أن يبقى في مكتبه في قصر العدل ويتابع تحقيقاته إلى حين فصل محكمة التمييز بالقضية. لكنّ هذا ما لم يفعله سابقاً القاضي صوّان، إذ أوقف التحقيقات بإرادة ذاتيّة منه.
فقد ردّت محكمة التمييز طلب وقف التحقيقات في 11 كانون الثاني الماضي من قبل القاضي صوّان، وسمحت له باستئناف جلسات التحقيق بانتظار البتّ في طلب الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر آنذاك، لكنّه لم يمتثل.
ثمّ أصدرت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجّار قراراً في 18 شباط بكفّ يد القاضي صوّان في القضية، ونقل الدعوى إلى يد قاضٍ آخر.
وقد جاء الردّ من الإعلام المحسوب على رئاسة الجمهورية بأنّ “مسؤولين كباراً يحاولون التنصّل من المثول أمام القضاء متلطّين خلف القانون والدستور والمتاريس الطائفية والمذهبية”، في ظلّ التغاضي الفاقع لهذا الفريق بالذات عن “حمايته” للمدير العامّ لأمن الدولة اللواء طوني صليبا من المثول أمام القضاء.
بين نيترات البقاع ونيترات المرفأ
على خطٍ آخر، كانت لافتةً الدعوات التي تتزايد لضمّ ملف نيترات الأمونيوم التي ضبطت في منطقة البقاع إلى ملف انفجار المرفأ، ما عدا من القاضي بيطار الذي يتجاهل ارتباط ملف البقاع بملف المرفأ، بعدما أخذت القضية مساراً حسّاساً ومتشعّباً يشترك مع “نيترات المرفأ” أنّ نسبة الآزوت في نيترات البقاع هي نفسها، وعالية جدّاً، وغير مسموح بدخولها الأراضي اللبنانية إلا بترخيص.
إلى ذلك، لم تتمكّن التحقيقات الجارية حالياً، بعد نقل الملفّ من شعبة المعلومات إلى استخبارات الجيش، من معرفة مصدرها الحقيقي ووجهة استخدامها.