التحقيق في ملف «نيترات البقاع» بعد تسليمه إلى الجيش يثير أسئلة مشروعة، حول ما بعد انتهاء التحقيق وعمّا إذا كان الهدف هو اللفلفة أم الوصول إلى نتائج شفّافة، تُنهي الملف على بينة واضحة من دون تلفيق
بحسب المعلومات الأمنية، فإن مديرية الاستخبارات في الجيش بدأت عملها في هذا الملف من الصفر، بعدما أصبح جميع الموقوفين الذين تربطهم علاقة تجارية مزمنة في عهدتها. أي أنها لم تأخذ بكل ما قيل وكُتب أمنياً وقضائياً حول هذه القضية، وبدأت تحقيقاتها على كل المستويات المطلوبة بهدوء، وقد قطعت شوطاً فيها، من دون أن تخلص بعد إلى نتائج يمكن البناء عليها، خصوصاً أن النقطة المحورية – نتائج المختبر حول نوعية النيترات ونسبة تركيز الآزوت فيها – تحتاج إلى 48 ساعة لصدورها، بدءاً من أمس، لأن الجيش لن يعتمد التقرير الاولي للشرطة القضائية الذي أنهى فحص العيّنات في ساعة واحدة، لمزيد من التدقيق واعتماد وسائل أكثر أماناً وصدقية في استخلاص النتائج المخبرية.
وعدا عن الجانب التقني البحت في التحقيق، ورغم أن الانظار موجّهة إلى نتائجه واحتمال ربطه بنيترات المرفأ، والتحقيق حول كيفية الحصول على النيترات وتخزينها وبيعها واستخدامها كسماد أو لتفجير الصخور أو لغايات أخرى، فإن للخلاصات تبعات سياسية أكثر منها أمنية، وأكبر من حصرها في تحقيقات حول التهريب أو التخزين.
ثمّة تحديات مطروحة أمام الجيش الذي أحال إليه مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الملف. وحتى الآن، تبرز معطيات وأسئلة سياسية أكثر منها أمنية، تتناول بداية الملف عندما كان محصوراً بقضية المازوت. وليس سراً أن ما جرى تداوله، حتى في الوسط الأمني، بأن القطبة المخفية في هذه القضية وتداعياتها لها صلة بالكباش السياسي بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية. إذ إن أسئلة طُرحت حول توقيت كشف الخزانات، ومن كشفها، وكيف تطوّر الملف تدريجاً، وصولاً إلى انفجار قضية النيترات وهوية من وشى بالشاحنة واحتمال ارتباطه بأجهزة أمنية. لكنّ القضية أخذت بعداً آخر يتعدّى استعراض دهم المستودعات وسحب المازوت والحملات الإعلامية التي ترافقت معها، لتأخذ مع قضية النيترات منحى سياسياً أكثر حساسية. فكلمة نيترات في الأساس مادة «إعلامية دسمة» بمجرد ذكرها، ربطاً بانفجار المرفأ.
وفق ذلك، يصرّ الجيش على أن يكون التحقيق بعيداً عن أي تجاذبات سياسية، وحصره بالموضوع التقني، علماً أن إحالة الملف إليه لها بعد قانوني بحت، لأنها من صلب مهامه وفق قانون الأسلحة الذي يحدد اعتبار نيترات الأمونيوم المحتوي على نسبة آزوت تتعدّى 33.5 في المئة من المواد المُعدّة لصنع المتفجّرات.
وتبقى الخلاصة أن الجيش يأخذ القضية المحوّلة إليه بجدية، وحريص على إعلان نتائج التحقيق والمختبر بكل شفافية أمام الرأي العام. لكنّه في الوقت نفسه حريص على التذكير بضرورة إبعاد هذا الملف عن المزايدات، قبل جلاء الحقائق كاملة. فماذا لو انتهى الملف مثلاً إلى حقائق حول عمليات تجارية مزمنة كأسمدة أو متفجرات صخور، في حين أن الخلاف حولها بات فتيل تفجير سياسي. أما في حال انتهى إلى حقائق دامغة حول نوعيّتها وأسباب وجودها، فحينها يصبح للكلام معنى جديّ آخر من الناحية القضائية والأمنية.