ندعو للرئيس ميقاتي بالتوفيق في فاتحة لقاءات يبدأها اليوم بتأدية واجب الوفاء والعرفان لـ”داية” الاليزيه التي استولدت حكومة “معاً للإنقاذ”، بعدما قرر الرئيس الايراني الافراج عن الرهينة المنتوفة المهيضة الجناح.
يعرف الرئيس ميقاتي أن ماكرون ليس صحافية “سي أن أن” التي اكتفت بالابتسام بعدما أبلغها شعوره بالحزن إزاء انتهاك “الصهاريج” الحدود وسيادة لبنان، لذا عليه كبت الجانب “العاطفي” الرقيق في شخصيته وإجابة الرئيس الفرنسي بوضوح عن خطته للإصلاح.
يمكن للرئيس ميقاتي بشطارته وقدرته على ايجاد المخارج الترويج لـ”اللاخطة” التي يمتلكها على أساس انها مسألة مفروغ من تجسُّدها الفعلي، متضمنةً اللجوء الى صندوق النقد وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وحل مشكلة الكهرباء واستجرار الغاز وإقرار سلسلة قوانين إصلاحية في مجلس النواب الكريم، ولا عجب إن أبدى الرئيس الفرنسي تفهماً شديداً لوضع ميقاتي الدقيق. فالرئيس الذي رضخ في قصر الصنوبر لرفض محمد رعد انتخابات مبكرة وتحقيقاً دولياً عقب جريمة 4 آب، ابتلع النكوص عن حكومة اختصاصيين مستقلين وأتاح استهلاك المبادرة الفرنسية على مدى ثلاثة عشر شهراً من التكليف وانتهى بـ”صفقة” مع الايرانيين، وسيحاول اليوم الظهور منتصراً إن خرج من لقائه مع ميقاتي بوعد “جدول زمني” و”كفى الله المؤمنين…”.
قد يتمكن الرئيس ميقاتي من بيع “الأجانب” التَنَك على انه 24 قيراطاً، فهو صاحب مهارات، وهم قدوة في تقديم مصالحهم الكبرى على مصلحة بلد صغير، لكنه سيخضع لامتحانٍ عسير حين يبدأ “حكُّ الركب” مع دول الخليج العربي، ومع كل المستثمرين الذين لا يهمُّهم لونٌ وانتماء بل ضمان استثماراتهم والربح الأكيد.
قد لا يُطرح على زائر الاليزيه مباشرةً أو مواربةً موضوع التآمر على “المحقق العدلي”، لكن حكومة الرئيس ميقاتي لن تستطيع في مواجهة العرب والمستثمرين واللبنانيين، خصوصاً المغتربين، دفن رأسها في الرمال بعد تعرّض القاضي البيطار للتهديد، وبعد اتضاح أن المسألة لا تتعلق باجتهادات دستورية هي غب طلب المدعى عليهم والنيابات التمييزية الخاضعة للسلطة السياسية وقوى الأمر الواقع، بل بمستقبل دولة استبيحت حدودها بعدما ألغيت قبل عشر سنوات، ويتمّ اليوم تدمير آخر معقل فيها وهو القضاء عبر وضع اليد النهائي.
الرئيس ميقاتي رجل أعمال ومستثمر كبير، وهو يعلم انه، باستثناء “اقتناص الفرص” في “جمهوريات الموز والاستبداد” لجني “أرباح ساخنة” ممهورة بختم الفساد الرسمي، فإن أي استثمار دولي محترم لن يأتي الى لبنان فيما قضاؤه مسيَّس وخاضعٌ للابتزاز والتهديد، وسلطاتُه التشريعية والإجرائية وبعض هيئاته الدينية الوازنة في خدمة الخروج على القانون وانتهاك حق المتقاضين، والانحياز الى المشتبه فيهم والمرتكبين على حساب الضحايا والمكلومين والمشردين.
سيكتشف الرئيس ميقاتي، مثلما يدرك قسم كبير من اللبنانيين، أن جريمة جديدة يجرى ارتكابها في ظل حكومة “المنظومة” التي تطوَّع لرئاستها توازي في شناعتها جريمة “نيترات الأمونيوم” وتدمير المرفأ، وهي “قبْعُ” المحقق العدلي وتضييع حق اللبنانيين في وقف الإفلات من العقاب، ومع هذه الجريمة لا مستثمرين ولا من يحزنون ولسنا “معاً للإنقاذ”، لأنه لن يتحقق استقرار يعيد الأمل للبنانيين في”دولة قانون” بل ربما سيفقدون الايمان بوحدة الدولة والعيش المشترك لطوائف متفاهمة ومواطنين متساوين.