ألان سركيس-نداء الوطن
يدخل ملف مسيحيي الشرق مرحلة النسيان، إذ إنّ الصرخة التي كانت تُطلق سابقاً غابت بسبب إنشغال كل دولة بمشاكلها.
شكّل تمدّد تنظيم “داعش” بعد العام 2013 صدمة للجميع، وأحدث موجات هجرة كبيرة ودفع المسيحيين في العراق وسوريا الفاتورة الأغلى علماً أن الإرهاب لا يرحم أحداً، لكن مشكلة مسيحيي الشرق مطروحة قبل “داعش” وبعدها وذلك بسبب غياب الأمان.
ويُعتبر لبنان البقعة الأخيرة في الشرق التي يوجد فيها حضور مسيحي فعّال، لكن هذا الحضور يتعرّض للتقلص بسبب المشاكل المسيحية الداخلية وانهيار الدولة وارتفاع موجات الهجرة خصوصاً بعد الأزمة الإقتصادية الأخيرة التي تضرب لبنان.
ولا يشكّل ملف مسيحيي الشرق أولوية عند الدول الأوروبية والغربية، إذ إن ما يهم هذه الدول هو مصالحها أولاً وأخيراً ولو كانت مصالحها تتلاقى مع تهجير كل المسيحيين.
وفي السياق، برز إهتمام هنغاري فريد من نوعه بملف المسيحيين، واللافت أن الدولة الهنغارية لديها وزير دولة لمساعدة المسيحيين المضطهدين وهو تريستان أزبيج، الذي زار بيروت منذ أيام وتفقّد مرفأها مع رئيس رابطة “كاريتاس” لبنان الأب ميشال عبود، وأكد وقوف الحكومة الهنغارية بجانب الشعب اللبناني من خلال “كاريتاس” التي بدورها وقفت بجانب المسيحيين والمسلمين على حد سواء، بالرغم من انها مؤسسة تابعة لجهاز الكنيسة.
واللافت أيضاً ان هنغاريا نظّمت المؤتمر “القرباني العالمي” الـ 52 في بودابست هذا الشهر، وشارك فيه كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وبطريرك الروم الكاثوليك يوسف الأول العبسي وحشد من الشخصيات الدينية، وقد التقى الراعي والعبسي رئيس الجمهورية الهنغارية يانوش آدير وشكر الراعي الرئيس المجري على كل الدعم الذي تقدمه المجر للبنان.
ولم يتوقّف مسلسل الإهتمام الهنغاري بالمسيحيين عند هذا الحدّ بل قدّمت هنغاريا هبة مالية لترميم دير سيدة الزيارة في عينطورة وقد دشنه البطريرك الراعي في 18 حزيران الماضي.
وكان لوزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو موقف لافت خلال زيارته لبنان في 26 نيسان الماضي من العقوبات التي فرضت على رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، إذ شدّد على أننا لن نقبل بفرض عقوبات على أكبر حزب يمثل المسيحيين.
وأمام كل هذه المواقف واللقاءات يطرح سؤال أساسي وهو ماذا تريد هنغاريا؟ ومعلوم أن الدول تستعمل الدين والعرق للدخول وتنفيذ أجندات سياسية، علماً أنه كان يوجد راعي دولة لكل طائفة زمن السلطنة العثمانية، لذلك هناك حذر دائم.
وفي السياق، فان من يتابع النشاط الهنغاري يكتشف ان لا أهداف سياسية وراء كل هذا الحراك الهنغاري، إذ إن هنغاريا ليست دولة عظمى مثل فرنسا أو ألمانيا أو روسيا أو أميركا لتستغل ملف المسيحيين وتدخل إلى المنطقة.
ويؤكد الهنغاريون أن نظرتهم إلى ملف المسيحيين في الشرق مختلف تماماً عن نظرة الدول الكبرى، إذ إن هدفهم وجودي وهو الحفاظ على المسيحي في الأرض التي عاش عليها السيد المسيح، بينما بقية الدول تهدف إلى تأمين مصالحها.
ويُعرف عن الهنغاريين أنهم شعب متعصّب مسيحياً، لذلك يوجد في بلادهم وزارة لرعاية المسيحيين المضطهدين في دول العالم، وهم يقومون بهذه المهمة لأن الدول الاوروبية متقاعسة وباتت دولاً علمانية بعيدة عن المسيحية.
وبالنسبة إلى استنكار العقوبات على باسيل فهي تنطلق من أن باسيل رئيس حزب مسيحي وليس لأهداف سياسية مرتبطة بتحالفات مع سوريا او إيران أو الصين، وكل ما كان يحكى سابقاً في هذا الموضوع غير صحيح، حسب الهنغاريين.
تنظر الدولة الهنغارية إلى مزيد من التعاون مع البطريرك الراعي على اعتباره أكبر مرجعية مسيحية في الشرق، وتتواصل مع بقية المرجعيات المسيحية، لكن هناك خوفاً هنغارياً حقيقياً من أن يفقد المسيحي في لبنان وجوده وكذلك في الشرق، خصوصاً ان الصراعات بين مسيحيي لبنان تضعفهم.