10 أسباب لولادة حكومة المُنهَكين… و5 أسباب لموتها

 

محمد بركات -أساس ميديا

محظوظٌ هو الرئيس نجيب ميقاتي. يقول عارفوه إنّ الحظّ رافقه طوال حياته، في العمل والسياسة، وفي كلّ شيء تقريباً.

حين كُلِّفَ بتشكيل حكومة، فُتِحَت نافذةٌ متواضعة، أشبه بثقب أسود صغير جدّاً، كان على وشك الإقفال بسرعة. لكنّ النجيب “من الإشارة يفهم”، فسارع إلى القفز من الثقب إلى السراي، قبل أن يقفل مجدّداً.

وفي الآتي مجموعة الظروف التي فتحت النافذة، قبل تعداد أسباب إقفالها:

1- رحل دونالد ترامب الذي كان قد أعلن الحرب الماليّة والأمنيّة على إيران وحزب الله، وختمها باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وجاءت إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض، وفي بالها العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، مع ما يعنيه هذا من تهدئة، ترجمتها في لبنان بدعم الجيش، وصولاً إلى توقيع بايدن على قرار غير عاديّ بسحب 25 مليون دولار من السلع والخدمات ومن مخزون وموارد أيّ وكالة أميركية لتقديم المساعدة الفوريّة للجيش اللبناني، بجانب سحب ما يصل إلى 22 مليون دولار من الموادّ والخدمات الدفاعيّة للمساعدة الفوريّة للجيش اللبناني.

2- أمّا سياسيّاً فكانت الإدارة طازجة، ولم تُنضِج سياسةً واضحةً في لبنان. لذا فوّضت إلى فرنسا – إيمانويل ماكرون ملفّ لبنان، لضيق الوقت وانعدام الاهتمام، وأبقت على خطّ تواصل معه، وتفرّغت لمفاوضات فيينا مع إيران. وهنا تخلّص ميقاتي، مؤقّتاً، من العبوس الأميركي بوجه لبنان.

3- السفيرة الأميركية في لبنان بدت مرتبكة أكثر ممّا يجب، الأمر الذي جعل الأمين العام لحزب الله يتقدّم عليها أكثر من مرّة، وآخر علامات نجاحه هو إدخال قوافل المازوت عبر سوريا، قبل أن تعلن عن موافقة بلادها على استجرار الغاز المصريّ عبر “سوريا الأسد”. ففاز بهدف مبكّر، وسجّلت هي هدفاً في مرماها بتوقيت إعلانها، لتنتهي مباراة المحروقات 2 – 0.

4- بعد عام من مبادرته الفرنسيّة الهزيلة، كان ماكرون “مزروكاً”، ومضطرّاً إلى تأليف “أيّ حكومة” في لبنان، على مشارف انتخاباته الرئاسية في الربيع المقبل. صار “محروقاً”، ومستعدّاً لإلزام مَن يمون عليهم بتقديم تنازلاتٍ أكثر.

5- الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي كان قد أنهى هجماته: قصف على السفارة الأميركية في بغداد (29 تموز، بعد 3 أيام من تكليف ميقاتي)، وعلى قوات أميركية في سوريا (30 حزيران)، وعبر الحوثيّين على الدمّام في السعودية (5 أيلول)، وعلى قواعد الأحزاب الكردية في العراق (10 أيلول)، وبعد “حرب السفن” البحرية في تموز وآب. كان قد صفع كلّ خصومه، وأعطى “الوهرة” بعد انتخابه، وبدأ يبحث عن “ابتسامة” دولية، توازن تلك الصفعات، وتقدِّمه بصورة “القويّ”، لكن “الهادىء” في الوقت نفسه. فوُلِدت الحكومة في 10 أيلول.

6- تقدُّم جوّ التفاوض والانفتاح في المنطقة. وبغداد، بعد حوار إيراني سعودي فيها، وبعد “قمّة” جمعت الأضداد، وبعد عقد بقيمة 27 مليار دولار لفرنسا ماكرون، تحوّلت إلى “واحة حوار”. وانتشرت الحوارات الثنائية، سورية تركية، وتركية مصرية، وإيرانية سعودية، وإيرانية أفغانية…

7- انسحبت أميركا من أفغانستان، وكانت في حاجة إلى “تهدئة” في المنطقة لئلّا تخلق بؤر انعدام استقرار في أكثر من مكان. وبدا خيار تشكيل حكومة في لبنان مناسباً كـ”قنبلة دخان استقراريّ”، بدلاً من انهيار جديد يخرج منه حزب الله رابحاً، كما ربحت “طالبان” في كابول.

8- حسمت المملكة العربية السعودية أمرها بالابتعاد عن الملفّ اللبناني نهائيّاً، وعدم الاستجابة للمطالب الأميركية والفرنسية بالمساهمة في ولادة الحكومة، وفي مساعدتها بعد تشكيلها، باعتبارها حكومة النظام الذي يحكمه حزب الله.

9- باتت كلّ الأطراف في لبنان منهكةً، وكذلك الشعب. لا تظاهرات ضدّ ميقاتي ولا ضدّ أحد. طوابير البنزين أنهكت كلّ اللبنانيين، أثرياء وفقراء. دخلنا في مرحلة فقدان الأدوية والطحين والمازوت في المستشفيات والمرافق الحيويّة. تعب حزب الله وتعبت بيئته، باعتبارها آخر مَن وصل إليها التعب. وبات الانهيار الكامل قاب قوسين أو أدنى.

10- هكذا، ومن اضطرارَيْن، فرنسي وإيراني، ومن ابتعاد أميركي، وانفضاض سعودي، وظروف حوارية في الإقليم، وظروف دولية مؤاتية، وتعب لبناني عامّ وعارم، وُلِدَت “حكومة المُنهَكين”، وعلى جدول أعمالها محاولة استثمار هذا الجوّ في لجم الانهيار.

لكنّ هذه الأجواء تبدّد جزء كبير منها حتّى قبل أن تنال الحكومة الثقة. وبدأت تنقلب إلى أجواء معاكسة تماماً بعد نيلها الثقة، لتجعلها مهدّدة بالانفجار، أو بالدخول في موت سريريّ سياسي، في أيّ لحظة:

1- غضب الرؤساء الثلاثة المكتوم: قاطع الرئيس سعد الحريري والرئيس تمّام سلام جلسة الثقة. كلٌّ لأسبابه “الواهية”. وسرّب الرئيس فؤاد السنيورة أنّ ميقاتي خرج عن “ثوابت” النادي الرئاسي. وبدا أنّ “الثلث المعطِّل المموَّه” قد حصل عليه جبران باسيل كما أراد.

2- يستمرّ تعليق المفاوضات الأميركية الإيرانية في فيينا. وكذلك تعليق الحوار السعودي الإيراني. وهذا التعليق يعلّق الأجواء الحواريّة ويقلبها، شيئاً فشيئاً، إلى أجواء استنفار.

3- نشبت أزمة دبلوماسية بين فرنسا وأميركا، عنوانها “سرقة” الأميركيين عقد غوّاصات نووية من الفرنسيين، مع أستراليا. ثمّ تتالت “النكسات” الفرنسية، لتخسر عقد مقاتلات مع سويسرا لمصلحة الأميركيين أيضاً، وعقد “كورفيتات” (طرّادات بحريّة) مع رومانيا. وهو ما وتَّر ماكرون وجعله يسحب سفيره من أميركا، وأعلن وزير خارجيّته جان إيف لودريان أنّ بلاده تعرّضت لـ”طعنة في الظهر”.

4- سافر السفير السعودي فور تشكيل الحكومة. وأعلن عددٌ من الإعلاميّين السعوديّين أنّها “حكومة حزب الله”. ومعروف أنّ مؤتمر “سيدر” الذي أعلن مساعدو ميقاتي أنّه سيعمل على استيلاده من جديد خلال زيارته إلى ماكرون في فرنسا، نصفه خليجيّ، ونصفه أوروبيّ. وها هي أوروبا (رومانيا وسويسرا وغيرهما…) تخرج من عباءة ماكرون، وكذلك العرب. وهذا يعني أنّ الحكومة لن تحصل على مليارات فرنسا “الموهومة”.

5- يبدو أنّ الحكومة لا تملك استراتيجية لمواجهة “التغوّل” الإيراني في لبنان، بدءاً من استعراض “المازوت” الذي “أضاء” جلسة الثقة بالحكومة في قصر الأونيسكو، مروراً بـ”حزن” ميقاتي على قناة cnn وإعلان عجزه عن مواجهة قوافل المازوت الإيراني، وليس انتهاءً بعودة الدولار إلى الارتفاع أمام الليرة مع رفع الدعم عن المحروقات. وهذا سيدفع اللبنانيين، سريعاً، إلى الاكتشاف أنّ هذه الحكومة هي امتداد لحكومة حسّان دياب، مع شرعيّة سنّيّة داخلية (قيد البحث) وشرعيّة فرنسية دوليّاً (تنخفض قيمتها كلّ يوم)، ولذا سيبدأ الغضب الشعبي ضدّها، وقد يتصاعد إلى إسقاطها.

وُلِدت الحكومة من رحم مصادفات سياسية، وظروف استثنائية، لكنّ موتها سيكون لأسباب شديدة الوضوح، لا تبدأ من الجوع والأفواه التي ستعجز عن إطعامها، ولا تنتهي بأنّ إيران ستمصّ دماء الحكومة وتفصفص عظامها، ضمن مشروعها الكبير الذي يمكن اختصاره بالتالي: “حكومات ضعيفة، وميليشيات قويّة”.

وُلِدت الحكومة في الوقت الضائع. والساعة تدقّ. قد يصفّر الحكم في أيّ لحظة.

 

Exit mobile version