تفجير المرفأ التحدّي الأهمّ أمام نجيب ميقاتي

خيرالله خيرالله -أساس ميديا

نالت الحكومة التي يرئسها نجيب ميقاتي ثقة مجلس النوّاب كما كان متوقّعاً. يؤكّد ذلك من دون مواربة مدى سيطرة “حزب الله”، أي إيران، على كلّ مفاصل السلطة في لبنان، وتحكّمه بها مع ما يعنيه ذلك من أنّ لبنان ليس سوى ورقة إيرانيّة.

سيتبيّن في الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة مدى امتلاك نجيب ميقاتي هامشاً للمناورة في ظلّ الظروف الضاغطة التي يعيشها لبنان. كان ما تضمّنه البيان الوزاري، الذي نالت على أساسه الحكومة الثقة، معقولاً وفيه كلّ النيّات الحسنة، خصوصاً أنّه لم يتجاهل ما يعاني منه اللبنانيون من فقدان الكهرباء وسرقة أموالهم في المصارف، إضافة بالطبع إلى الرغبة في معرفة حقيقة تفجير مرفأ مدينتهم في الرابع من آب 2020، وملابسات هذه الجريمة.

ما يفترض بالحكومة تذكّره، هذا إذا كان فيها مَن يريد أن يتذكّر، أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون اعترف بالصوت والصورة بأنّه كان على علم بوجود موادّ خطرة مخزّنة في مستودعات المرفأ. لكنّه سارع إلى رفض أيّ تحقيق دولي في جريمة المرفأ. كان رفض التحقيق الدولي ردّ الفعل الأوّل لدى الرئاسة على تفجير المرفأ. بدا مطلوباً قبل أيّ شيء التعمية على الحقيقة بطريقة أو بأخرى على غرار ما حدث مع اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005. كان لا بدّ من الترويج لروايات أخرى شبيهة برواية “أبو عدس”. استغرق التحقيق الدولي طويلاً قبل أن يتبيّن مَن هي الجهة التي كانت وراء تفجير موكب رفيق الحريري الذي يعني تفجير بيروت، ومعها لبنان. لم يحُل التحقيق الدولي دون تحديد الجهة التي قتلت رفيق الحريري على الرغم من عدم الذهاب أبعد في توضيح الأمر…

ليس تشكيل الحكومة الحاليّة سوى حلقة بين الحلقات الأخيرة في مسلسل طويل امتدّ منذ ما قبل 2005 إلى الآن. بدأ المسلسل بمحاولة اغتيال مروان حمادة في الأوّل من تشرين الأوّل 2004، وذلك في تحذير مباشر لثلاثة أطراف هم رفيق الحريري ووليد جنبلاط وجريدة “النهار” التي كان لدى بشّار الأسد حقدٌ شخصيّ عليها وعلى جبران تويني بالذات.

ستكون أمام ميقاتي امتحانات كثيرة وصعبة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار نوعيّة الوزراء في الحكومة ومستواهم… هذا إذا استثنينا عدداً قليلاً من هؤلاء.

بين الامتحانات، التي ستواجه رئيس مجلس الوزراء القديم – الجديد، موقع لبنان في محيطه العربي. من الواضح، أقلّه إلى الآن، أن لا تجاوب عربيّاً مع الجهود التي يبذلها نجيب ميقاتي. الأكيد أنّ اختيار وزير للخارجيّة ينتمي إلى مدرسة معيّنة لن يساهم في فتح أبواب الخليج أمام لبنان، اللهمّ إلّا إذا كان الرهان على إعادة تأهيل نظام بشّار الأسد الأقلّويّ… وهو رهان يشبه أحلام اليقظة. يشبه هذا الرهان على بشّار الأسد ونظامه، إلى حدّ كبير، رهان ميشال عون على صدّام حسين عندما كان في قصر بعبدا للمرّة الأولى بين أيلول 1988 وتشرين الأوّل 1990.

في النهاية، سيجد رئيس مجلس الوزراء أمامه مجموعة من التحدّيات، لكنّ تحدّي تفجير مرفأ بيروت سيبقى التحدّي الأهمّ. يعود ذلك إلى سبب واحد، على الأقلّ. يتمثّل هذا السبب في أنّ الطريقة المعتمدة في التغطية على التفجير تصبّ في مكان واحد. هذا المكان هو موقع رئيس مجلس الوزراء المطلوب إزالته من الوجود. ماذا سيفعل نجيب ميقاتي كي يؤكّد أنّ رئيس مجلس الوزراء ليس موقعاً يسهل القضاء عليه بعدما تبيّن أنّ “العهد القويّ” ليس قويّاً إلّا على أهل السُنّة وعلى قسم من المسيحيين والدروز الذين رفضوا الدخول في لعبة توفير غطاء لسلاح “حزب الله”؟

سيكون التحقيق في تفجير المرفأ ورفض الانصياع لرغبات ميشال عون وجبران باسيل الامتحان الأهمّ أمام نجيب ميقاتي الذي يعرف البلد عن ظهر قلب، ويعرف التوازنات في المنطقة والعالم. لعلّه يعرف أوّل ما يعرف أن لا مجال للسير في إصلاحات جدّيّة في ظلّ الهيمنة التي يمارسها “حزب الله”، وسعيه إلى بيع اللبنانيين الأوهام، من نوع الإتيان بوقود، يقال إنّه إيراني، إلى البلد.

يتعاطى العالم، ومن ضمنه العالم العربي، مع الواقع وليس مع استعراضات من النوع الذي يقوم به “حزب الله” ويغطّيه “العهد القويّ” الذي لن يترك مسيحيّاً في لبنان.

كلّ ما يمكن قوله أنّ مهمّة نجيب ميقاتي ستكون صعبة إلى أبعد حدود. يكفيه كلّ هذا الحقد لدى ميشال عون وجبران باسيل على رفيق الحريري وعلى سعد الحريري أيضاً، وعلى كلّ مَن بنى حجراً في بيروت كي تكون مدينة العرب كلّ العرب، بدل أن تكون مدينة طاردة لأهلها!

للمرّة الألف، ما لا يدركه “العهد القويّ” أن ليس في الإمكان استعادة حقوق المسيحيين، هذا إذا بقي مسيحيون وبقيت حقوق مطلوب استعادتها، بالاعتماد على سلاح “حزب الله”. هذا السلاح ألغى موقع رئيس الجمهوريّة واللعبة الديموقراطيّة الني كانت فخراً للبنان، وهو يصوّب حالياً على موقع رئيس مجلس الوزراء لا أكثر ولا أقلّ، ولا شيء آخر غير ذلك!

 

Exit mobile version