رضوان الذيب-الديار
حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ليست الا مجرد» اوكسجين مقنن « لمنع انهيار البلد، وعملها محصور بحل الأزمات الأنية من المحروقات وألادوية والمواد التموينية ورعاية المفاوضات مع الصناديق الدولية للحصول على المساعدات المالية» الأوكسجين المقنن» وتمرير المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات النيابية بأقل الخسائر، ولذلك فإن الرهان على انجازات كبرى هو ضرب من ضروب الخيال واكبر مقتل للحكومة والايجابيات التي رافقت ولادتها وبالتالي المطلوب من وزراء الحكومة التواضع بالوعود وتجنب «الشطحات» الإعلامية، فهذه الحكومة لن تكون حكومة معجزات، وميقاتي ليس «سوبرمان» ولا الشهيد رفيق الحريري بل يعرف دوره جيدا ويعرف أن حكومته مكلفة بادارة الأزمة لمنع انهيار لبنان ووقوعه تحت سيطرة حزب الله واجراء الانتخابات النيابية في موعدها في أيار ٢٠٢٢، وهذا يفرض مده «باوكسجين مقنن» حتى موعد الاستحقاق النيابي في ظل رهان أميركي سعودي على هذا الاستحقاق لخلق توازنات جديدة في المجلس النيابي تنقل الأكثرية النيابية من يد حلفاء محور المقاومة لصالح حلفائهما و تسمية رئيس الجمهورية الجديد ونسف كل التركيبة الادارية والعسكرية الحالية لاحداث نقلة نوعية جذرية في كل مَفاصل البلد تعيد للبنان وجهه الأميركي السعودي وتسحبه من النفوذ الإيراني.
كما يكشف العاملون على هذا الخط الذين يجاهرون باجتماعات ترعاها السفارتين الأميركية والفرنسية مع منظَمات الحراك لتنسيق خطواتهم وتحركاتهم وقد قاطع الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري مع بعض ممثلي الحراك هذه الدعوات، وحسب العاملين على هذا الخط، فإن قوى الحراك تعمل للمجيء بكتلة من ٢٠ نائبا موزعة على الساحات المسيحية والسنية والدرزية والشيعية وباستطاعة هذه الكتلة تقديم مشاريع قوانين وابطال مراسيم، وحسب مصادر احد التيارات المدنية، ان هناك اصرارا أميركا وأوروبيا وسعوديا لاحداث تغييرات في موازين القوى عبر الضغط لفرض اجراء الانتخابات تحت اشراف دولي ومراقبين من الامم المتحدة لتأمين حرية الاقتراع والاختيار دون اكراه وضبط تدخلات السلطة وقوى الأمر الواقع، والإشراف على الفرز وإصدار النتائج واعتماد البطاقة الممغنطة، والحد من المال الانتخابي وصولا ربما لإصدار قرار دولي اذا لم تتحقق هذه الشروط، وهذا ما تسربه الدوائر القريبة من منظمات الحراك، وتكشف عن وعود بدعم لوجسيتي ومالي رغم تضارب المصالح الأميركية الفرنسية من هذا الاستحقاق، فواشنطن تريده محطة لتحجيم حزب الله ونفوذه ومنع إيران من تثبيت «الهلال الشيعي» بينما فرنسا تريد الاستحقاق لضمان نفوذها والحد من هيمنة الطبقة السياسية التي عارضت التوجهات الفرنسية وعرقلت تشكيل الحكومة خصوصا ان فرنسا ما زالت تنظر إلى لبنان بأنها «امه الحنون» وهو اخر موطئ قدم لها في هذه المنطقة الحيوية، اما الرياض فتريد الاستحقاق محطة لتقليص نفوذ حزب الله وإيران وكل محور المقاومة.
وحسب المصادر، فان قوى الحراك تراهن على تشتت قوى السلطة وتحديدا ٨اذار، مع جهد اميركي سعودي يفوق الخيال للخرق شيعيا وتحديدا في الَمقعد الشيعي في جبيل بالتحالف بين قوى الحراك والقوات اللبنانية والاحزاب المسيحية والبناء على هذا الخرق في الجدار الشيعي الصلب والموحد، مضافا اليه اضعاف النفوذ العوني في جبل لبنان، والخرق مسيحيا في مناطق الثقل الشيعي، كما تدرك قوى الحراك انها قادرة على الخرق سنيا في ظل المعركة المفتوحة بين الشقيقين سعد وبهاء الحريري الذي بدأ استعداداته لخوض الاستحقاق،كما ان الخرق سهل درزيا في عاليه وبيروت بعد أن نالت قوى الحراك اكبر نسبة أصوات بين الناخبين الدروز، بالمقابل فإن َالقوى الأساسية في البلاد تراقب بعناية فائقة «الغزل الجبلي» بين عون وجنبلاط وتحديدا بين جنبلاط وباسيل عبر اجتماعات مَشتركة وزيارات موحدة للاشتراكي والتيار الوطني في الشوف وعالية والمتن الأعلى، فهل يتطور الغزل إلى «عقد زواج « انتخابي وفرض معادلة كبيرة في الجبل؟ وهذا الامر يشكل قلقا فعليا لسعد الحريري في إقليم الخروب وسمير جعجع في الشوف وطلال أرسلان في عاليه . والجميع يعرف ان حسابات جنبلاط درزية اولا وجبلية ثانيا، والمصالح تحدد المسارات، وعلى هذا الأساس يحدد تحالفاته في كل الاستحقاقات و يعمل دون اية مجاملات ولا يراعي الا بري فقط، اما علاقته مع الحريري ليست جيدة «ولا كيمياء» بينهما، ومع جعجع مقطوعة بسبب حسابات رئاسة الجمهوربة.
هذه الاجواء الدولية والعربية واجتماعات السفارات تتابعها جيدا قوى ٨ آذار وواثقة بان الجهد الأميركي العربي لاحداث معادلة جديدة من باب الانتخابات والفوز بالاكثرية واحداث تغييرات جذرية في كل المواقع المالية والإدارية والعسكرية مع العهد الجديد وهم وسراب، وحلم لن يتحقق، وتدويل الانتخابات امر خيالي ويفجر البلد وسقط عام ١٩٨٢ولن يتكرر، وقوى ٨ آذار ستحصد الأكثرية النيابية كما حصدت في المجلس الحالي مهما بلغ حجم التدخل الأميركي، والانتخابات ستكون بين مشروعين ومن سيحصل على الأكثرية النيابية سيدير البلد وكل الخيارات تصب لصالح محور المقاومة .
وفي ظل هذه الرهانات والصراع بين المشروعين، فإن الانتخابات النيابية حسب مصادر عليمة ستكون من أهم الاستحقاقات منذ استقلال لبنان، ولذلك فتحت كل الاحزاب الورش التنظيمية عبر تشكيل اللجان المركزية، وتنقيح لوائح الشطب والاستعانة بمراكز دراسات وخبراء للاحصاء، مع سخاء مالي عبر مساعدات اجتماعية، وإذا اقتضت»عدة الشغل» خلق توترات طائفية ومذهبية لرفع نسب التصويت فلا شيء يمنع ذلك، مع حملات اعلامية وسجالات على «مد عينك والنظر»، ولذلك فإن التزامن بين التحضير للانتخابات والأزمة الخانقة ربما لن يسمح لحكومة َميقاتي العمل بأجواء صحية سليمة، وبالاضافة إلى التوترات الانتخابية هناك ملف تحقيقات المرفأ حيث النتائج الأولية للتحقيقات سترفع من منسوب الخطاب الطائفي لدرجات غير مسبوقة، ولا احد قادر على منع انتقال التوترات إلى الشارع في ظل معلومات ان القاضي طارق بيطارحدد موعد ٣٠ أيلول للاستماع إلى الوزراء السابقين نهاد المشنوق وعلى حسين خليل وغازي زعيتر كمدعى عليهم وإذا لم يحضروا أمام القضاء قد يصدر مذكرات توقيف بحقهم كما حصل مع الوزير السابق يوسف فنيانوس، وفي المعلومات أيضا أن الرئيس حسان دياب مع الوزراء السابقين المدعى عليهم يحضرون لشكوى لتنحية القاضي بيطار عن هذا الملف، كما ان تنفيذ مذكرات الاعتقال غير متوافر مطلقا، وهذا ما ظهر في كلام نهاد المشنوق أمام دار الفتوى، بألقول «عنوان حسان دياب يا امن الدولة هو دار الفتوى» وهذا يشكل اكبر غطاء سني لدياب وتاليا للمشنوق، كما ان الثنائي الشيعي لن يسمح بالدق في الوزيرين زعيتر وعلى حسن خليل،
وتشعب هذا الملف ايضا مع تسريبات اعلامية عن اتصال بين القاضي بيطار والحاج وفيق صفا تبين ان لاعلاقة له بتحقيقات المرفأ بل بشاحنة محملة بنيترات الأمنيوم في البقاع ورغم ذلك تواصل التحريض والبناء على هذا الاتصال وصولا إلى الهجوم على حزب الله، وفي هذه الحالة فإن البطريركية المارونية ستدافع عن فنيانوس والعماد قهوجي وقادة امنيين، و عندها سيفقد التحقيق وهجه وسيخسر أوراق قوة كبرى الا اذا ادى الضغط الشعبي لأهالي الضحايا إلى تحصين المسار القضائي وهذا امر مستبعد لان الدق «بوكر دبابير» السلطة امر ربما لا يقدر احد على تحمل نتائجه، وقد يفجر «بلدا عن بكرة ابيه» في ظل التشكيك بكل ما توصلت اليه تحقيقات القاضي بيطار والطريقة التي سرب بها الإسماء، فهل يتم تأجيل هذا الملف بفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي تجمد الاستدعاءات، وهذا الأمر بيد رئيس الجمهورية الذي لم يقرر بعد؟ ولذلك فإن الملف يشكل معضلة حقيقية ستواجه حكومة ميقاتي وستصيبها في الصميم وتجعل الآمال المعلقة على حكومته من قبل البعض مبالغ فيها، وإذا عالجت حكومة ميقاتي ملفات المحروقات بشكل جدي بعد أن تجاوز سعر الصفيحة ٢٠٠ الف ليرة دون وقف طوابير الذل الى ضرب احتكارات ألادوية والمواد الغذائية واستقرار سعر الدولار بعد أن عاود ارتفاعه امس، وتخفيض «جنون الأسعار» المستمر رغم هبوط الدولار، وتامين هادئ لبداية العام الدراسي مع تأكيد الأساتذة على الإضراب المفتوح امس، عبر معالجة سريعة خصوصا ان على رأس وزارة التربية «وزير ادمي» مستعد لدرس المطالب، بالإضافة إلى هذه الملفات فإذا تمكنت الحكومة من اجراء الانتخابات النيابية تكون قد حققت َما يريده اللبنانيون منها حاليا، وفتحت الطريق لميقاتي لترؤس اول حكومة في العهد الجديد، اما الرهان على منجزات كبرى امر مَبالغ فيه لان المافيات هي من يحكم البلد وتتلاعب بالأسعار دون ذرة ضمير، والقدرة على محاسبة الكبار امر غير متوافر في هذا البلد.