ناصر الغلبان
بعد 16 عاماً من انسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة، وسحب نحو 8500 مستوطن، مازالت أسباب ودوافع الانسحاب تفسر بشكلٍ مختلف، فبداخل قرار الانسحاب وفك الارتباط كواليس وروايات عديدة، فأنا لا أنكر دور فصائل المقاومة والتضحيات التي بذلها أفرادها في عمليه الانسحاب، فقد نفذت الفصائل الفلسطينية العديد من العمليات على مدار سنوات احتلاله.
لكن أُشرك في ذلك سبباً هاماً جداً، لم يتطرق له الكثير من الكتاب، لا أدري سبب ذلك، لكني اعتقد أن إسرائيل أنهت تواجدها الفعلي على الأرض وشددت من سيطرتها على مفاصل الحياة في القطاع، وتمركزت على حدوده، وأحكمت سيطرتها عليه، وباتت تتحكم في كل ما يخرج منه ويدخل إليه، فإسرائيل لم تنسحب فعلياً من القطاع؛ لكنها أعادت انتشار قواتها، فهي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، ولازالت تفرض سيطرتها على القطاع جواً وبراً وبحراً.
إسرائيل بانسحابها من قطاع غزة؛ أوجدت البيئة المناسبة المتمثلة في الانقسام والتشرذم الفلسطيني الداخلي وممارسة كل فعل من شأنه خنق غزة وقتلها دون تحمل مخاطر البقاء على الأرض، فهي لا تمثل لها أهمية إستراتيجية من الناحيتين السياسية والدينية، ولتستطيع التفرغ لمعركتها الأهم في القدس والضفة الغربية، وذلك عبر تكثيف الاستيطان للوصول إلى مخطط الضم، الذي تقضي من خلاله إسرائيل على اتفاق أوسلو فعلياً، وإنهاء إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م.
الانسحاب جاء بشكل أحادي، وبدون أي شكل من أشكال التنسيق مع السلطة الفلسطينية، بل وجاء مغايراً ومختلفاً عن ما كانت تتوقعه الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فقد كانت الأوساط السياسية الفلسطينية تتوقع بدء الانسحاب في 15 سبتمبر2005، إلا أن شارون أمر بسحب قواته بالكامل وبشكل مفاجئ في 12 أغسطس 2005، وهنا استدل من هذا الموقف السياسي والأمني الإسرائيلي؛ أن شارون كان يهدف إلى إحداث فوضى، وعدم سيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على القطاع، وترك الساحة الفلسطينية في قطاع غزة للتشرذم والصراع الداخلي الفلسطيني، وإعطاء الفرصة لحركة حماس للسيطرة على قطاع غزة بعد تنفيذ الانسحاب، خاصة بعد قيام إسرائيل بتدمير بنية السلطة الفلسطينية ومقارها الأمنية، وإتاحة الفرصة لحركة حماس للاستيلاء على قطاع غزة لتكون بديلاً عن السلطة الفلسطينية التي تطالب بحل نهائي للقضايا الفلسطينية العالقة.
ومما استند إليه في هذا التحليل السياسي أن إسرائيل قامت باغتيال شخصيات محورية في حركة حماس كانت ترفض فكرة مشاركة الحركة في حكم قطاع غزة، وكانت تعمل على تغليب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني على المصلحة الحزبية الضيقة، على رأسهم الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي في عام 2004، بالتزامن مع فكرة انسحاب شارون من قطاع غزة عام 2005، فهدف شــــارون كان اســــتمرار التصــــفيات في الصف الأول لحركة حماس من الذين يحرمون الدم الفلسطيني، مع عملية الانســحاب الأمر الذي يحول دون أن تتمكن حماس من التوصــل إلى شــراكة مع الســلطة الفلســطينية، مما يؤدي إلى حدوث تصـادم فلسـطيني – فلسـطيني وتبقى السـاحة الفلسـطينية فترة زمنية معينة محكومة بعوامل التوتر والصراع.
وجاءت الانتخابات التشريعية مطلع يناير 2006، التي شاركت فيها حركة حماس، على أساس اتفاقية أوسلو، وقد استثمرت حماس الانسحاب من غزة وصورته كأنه بفعل عملياتها العسكرية، وأظهرت السلطة الفلسطينية بأنها فشلت، مما ساعدها بالفوز في الانتخابات التشريعية 2006م.
وفي المحصلة لم يتحقق شيئاً على الأرض، فالمشروع الوطني الفلسطيني يعاني من عله الانقسام، وأصبح إمكانية قيام الدولة على الأرض أمراً بعيد المنال، وتواصل إسرائيل عمليات الضم والسرقة ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية والقدس، وبفعل الحصار الخانق الذي تفرضه، وسيطرتها على البحر والمعابر التجارية، ومنعها التصدير من القطاع إلا في أضيق نطاق، ومنع دخول كثير من السلع، بما فيها المواد الخام، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل خطير؛ مما أضر حياة الناس وأصابهم باليأس والقهر، بالرغم من امتلاك المقاومة آلاف الصواريخ في قطاع غزة.
إذا هل نستطيع القول أن شارون هرب من قطاع غزة ؟
أم نستطيع القول أن شارون أوقع حماس بفخ كبير وأكذوبة الهروب من غزة؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع