ترقد الدجاجة على البيض 21 يوماً، فإذا كان البيض مُلقّحاً، ووفرت له الدجاجة حضانة مناسبة، يفقس البيض عن صيصان، أما إذا كان البيض غيرَ ملقّحٍ، ولم تحتضنه الدجاجة جيداً، فقد يفقس بعضه، وقد لا يفقس نهائياً، والدجاجة بفطرتها تعرف الموعد، فبعد 21 يوماً، تلملم الدجاجة ما تجمع لها من صيصان، وتبتعد عن البيض الحائض.
ولا توجد على وجه الأرض دجاجة غبية، لا تدرك بفطرتها؛ أن بيضها قد صار حائضاً بعد 21 يوماً، وإذا وجدت هذه الدجاجة الغبية أو العنيدة أو الهزيلة أو المصابة بالأمراض، أو المهوسة بالرقاد، فإن صاحب البيت يتدخل، ويبعدها عن بيض الصيصان الحائض، ويتخلص منه سريعاً، قبل أن ينفجر، وتفوح رائحته النتنة.
بين الدجاجة التي ترقد على بيض الصيصان الحائض، وبين السلطة الفلسطينية التي ترقد على بيض المفاوضات الحائض مشابهة مكتملة الأركان، فالسلطة الفلسطينية لما تزل ترقد على بيض المفاوضات منذ سنة 1993، وحتى يومنا هذا، ولم تقتنع السلطة أن هذا البيض قد حاض، ولن يفقس عن انسحاب إسرائيلي، حتى ولو ظلت ترقد عليه عشرات السنين، وتختبئ في خم التنسيق والتعاون الأمني، فالحقيقة تقول: إن البيض الذي لم تلقحه المقاومة لن يفقس عن دولة، ولا عن حرية، ولا عن استقلال، ولا عن أي شكل من أشكال الكيانية، لقد حاض بيض المفاوضات الذي ترقد عليه السلطة منذ قال إسحق رابين: المواعيد غير مقدسة، ومنذ أجل نتانياهو الانسحابات، ومنذ رفض إيهود باراك تسليم المزيد من الأرض للسلطة.
وحتى اليوم، تتجاهل قيادة السلطة الفلسطينية وقع الزمن، وتغلق أنفها عن رائحة النتن الذي ينبعث من البيض الذي ترقد عليه، ولما تزل تمنى النفس أن تفقس لها بيضة واحدة، بيضة واحدة تشعرها بالإنجاز، وتشبع لديها الأمومة، ولكن هيهات، فقد دللت الدجاجة البلدية أنها أكثر قدرة على التمييز بين بيض الحقيقة وبيض الوهم، فاحترمت الدجاجة الزمن، وأشفقت على نفسها، وابتعدت عن البيض الحائض، بينما قيادة السلطة ترفض بعناد أن تعترف بفساد بيض المفاوضات، الذي انتهى زمنه، وتشقق عن مكاره شتى، وتصر على احتضان البيض المدسوس، وتواصل التنسيق والتعاون الأمني المغشوش، وتتوهم الخلاص من الاحتلال بالمزيد من الرقاد الهادئ المطمئن، والمزيد من الاختباء في خم التنسيق والتعاون الأمني.
ضمن هذه المعادلة الحائضة، لم يبق إلا أن يتدخل صاحب المزرعة، أو صاحب الوطن، لم يبق إلا أن يتدخل الشعب الفلسطيني، ويحطم البيض الحائض، ويخرج الدجاجة بالقوة من خم التنسيق والتعاون الأمني، فالزجر، والتوبيخ، والنصح والإرشاد، لم يعد يجدي مع هذه الدجاجة التي غرقت في الوهمِ، وذابت مؤخرتها من برودة الخُمِّ.
لا بد من غضب الشعب، لا بد من صرخة التنظيمات: هذا البيض حائضٌ، والاختباء في خمِّ التنسيق والتعاون الأمني مكّن المستوطنين من حراثة أرض الضفة الغربية بأطماعهم، ومكّنهم من زراعة المستوطنات المعبأة بأحقادهم، حتى صار المستحيل أن تتزحزح من مكانها، أو نقتلع منها حجراً واحداً، طالما ظلت هذه الدجاجة تنق بالوهم، وترقد على بيض المفاوضات الحائض، وتلتقط العلف داخل خم التنسيق والتعاون الأمني.
تأكيد: بيضُ المفاوضاتِ الذي لم تُلقّحه المقاومةُ حائضٌ، لن يفقسَ البيضُ عن دولةٍ مهما رقدتْ عليه دجاجاتُ السلطة.