الخنادق
قبل نحو 7 سنوات، سجّل اليمنُ خرقاً أحدث تصدّعاً قوياً في جدار الوصاية السياسية التي صادرت سيادته ومقدراته لأكثر من 30 عاماً. ولا يمكن تصنيف الحرب التي فرضتها عليه واشنطن وأدواتها في الخليج بعد حوالي 7 أشهر في 26 آذار عام 2015، إلا ردة فعل متهورة لمحاولة إعادة فرض ما رفضه الشعب اليمني.
لم تكن ثورة 21 سبتمبر نتيجة لحظة آنية أو حصيلة صدفة بل صنيعة تاريخ نضالي طويل يمتد من الصرخة الأولى التي أطلقها الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي “إن مشاريع الهيمنة على اليمن ليس لها إلا الموت”.
منذ عام 1962 مورس على الشعب اليمني سياسة التهميش والاقصاء تحت عنوان “ثورة 1962” وبعد حروب صعدة 2004-2010، حيث استبعد اليمنيون عن مقومات العيش الكريم نتيجة الفساد في السلطة وارتهانها للوصاية الأميركية-الخليجية والتي تاجرت بمقدرات الدولة. ففي الوقت الذي كان الشعب يرزح تحت نير الفقر والحرمان كانت البواخر النفطية تنتقل بحريّة إلى موانئ الرياض، في ظل فيتو أميركي على كل الشركات الوطنية والأجنبية لمنعها من استخراج هذه الثروات وسد الدين العام ومعالجة العجز في خزينة الدولة ومؤسساتها. هذه الثورة كانت نتاج هذا السياق والمراحل السياسية المتراكمة التي اتسمت بالقمع، بالتوازي مع الأمل بالتغيير الذي قدّمه خطاب الانتفاضة ضد الهيمنة منتصف أيلول 2014.
في الفترة الممتدة ما بين 2011 و2014 شهدت البلاد عدة محطات ساهمت بشكل مباشر في إنضاج هذه الثورة:
المبادرة الخليجية
تُعد هذه المبادرة أول رد فعل خارجي بمساندة قوى من السلطة الحاكمة آنذاك والتي حاولت افشال ثورة فبراير 2011. وهي المبادرة التي بقي السفير الأميركي السابق إلى اليمن جيرالد فايرستاين مدير مركز شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن حتى الأمس القريب يصرّح ان “لا حل في اليمن خارج إطار هذه المبادرة”، والتي ينظر إليها اليمنيون على أنها محاولة لتحقيق المحاصصة السياسية بين الأفرقاء وبالتالي تقسيم البلاد وترسيخ الهيمنة الأميركية-الخليجية على سيادة ومستقبل اليمن السياسي.
مؤتمر الحوار الوطني
في محاولة لتنفيذ وإنقاذ المبادرة الخليجية، دعت بعض الأطراف اليمنية إلى جلسة حوار تجمع القوى الفاعلة على الساحة اليمنية لكنه فشل في النهاية حيث تم اغتيال قادة وكوادر في حركة أنصار الله كالنائب عبد الكريم جدبان -22 تشرين الثاني 2013- وعضو مؤتمر الحوار الوطني أحمد شرف الدين -21 كانون الثاني 2014- بالتوازي مع فضائح الفساد التي لاحقت حكومة ما يسمى “بحكومة الوفاق”، ومع استقالة بعض قيادات الحراك الجنوبي اعتراضاً على “مؤامرة” على القضية الجنوبية معتبرين أن مسار الأمور بالشكل الذي كانت تسير عليه هي إعادة انتاج لمنظومة الحكم السابقة وبالفعل انتهت هذه الجولة بقرار الرئيس -المنتهية ولايته- عبد ربه منصور هادي بتقسيم البلاد إلى 6 أقاليم.
أشهر قتالية قبل اندلاع الثورة
قد يبدو ما جرى بين دماج وكتاف على انه حرب بين منطقتين انتهت ببسط السيطرة على العاصمة صنعاء. الا انها كانت محاولة أميركية لاحتواء حركة أنصار الله والقرار الشعبي بالمواجهة. ويمكن القول ان هذا الأمر كان بداية اقتلاع الخلايا الإرهابية التي استُقدمت من خارج البلاد في معظمها لزرعها في البيضاء وصعدة وبالتالي نقطة تحول أرخت بنتائجها على المرحلة التالية وهي معركة عمران.
على الرغم من أن حرب دماج التي كانت تعد محمية تكفيرية في صعدة أخمدت عبر وساطات، الا أنها عادت بقوة بعد تحريض من الآلة الإعلامية الخليجية وإطلاق عملية عسكرية قام بها حزب الإصلاح المدعوم سعودياً اعتدى خلالها على المسافرين واستقدم عناصر من تنظيم القاعدة رغم مناشدات حركة أنصار الله إلى آل الأحمر بوقف التعديات.
اندلعت معركة عمران في شمال البلاد، وكان أمر طبيعي في ظل التدهور الأمني الذي تشهده البلاد، لكن ما لم يكن طبيعياً هو كشفها عن تحرك دولي ظهر على السطح تُرجم بإرسال مندوب الأمم المتحدة جمال بن عمر إلى اليمن ليصدُر لاحقا قرار مجلس الأمن ضد حركة أنصار الله والتي وقفت إلى جانبها القبائل العارفة بما يُرسم لليمن إذا ما تمت السيطرة عليه من قبل ميليشيات محسن الأحمر.
تبع هذه المعركة تحركات سلمية شعبية في مداخل العاصمة رافقتها تحركات المبعوث الدولي جمال بن عمر في محاولة لمنع “سقوط صنعاء”. غير ان ما جرى لم يكن بحسابات واشنطن والرياض، وصل الشعب إلى صنعاء وقال كلمته في معركة استمرت 3 أيام، أسفرت عن هروب علي محسن الأحمر من البلاد وتوقيع اتفاق “السلم والشراكة” الذي سعى إليه بن عمر وتشكلت بعده حكومة جديدة برئاسة خالد بحاح. غير ان ما يسمى التحالف العربي عاد وأطلق النار على الاتفاق باتخاذه قرار شن الحرب التي اندلعت في آذار 2015.
7 سنوات على ثورة 21 سبتمبر، يوم عبور الشعب اليمني إلى الدولة. الذي أثبت أنه قادر على حكم نفسه بنفسه واقعيا وليس بالشعارات البربرية التي يطلقها دعاة الديموقراطية في الجهة الغربية من العالم. فعلى الرغم من الحصار والقصف اليومي والجهود الدولية لسلخ اليمن عن هويته استطاعت حكومة صنعاء فرض نفسها كأمر واقع بإرادة الشعب الذي لمس فعليا حجم الهوة الاقتصادية، الأمنية والسياسية والتجربة الناجحة لبناء الدولة، والفرق الشاسع بين الشمال اليمني وجنوبه المحتل.
وكانت السعودية قد شنّت حربًا على اليمن في آذار عام 2015 دعماً للرئيس المنتهية ولايته منصور هادي، أُطلق عليها اسم “عاصفة الحزم”، وقد شارك فيها العديد من الدول الخليجية والعربية ضمن تحالف تقوده الرياض، إضافة للدعم اللوجستي والاستخباري من الثلاثي الأميركي- البريطاني-الإسرائيلي، حيث انتهك التحالف خلالها القوانين الدولية والإنسانية، وارتكب فظائع وجرائم حرب بحق المدنيين.