عبد الكافي الصمد-سفير الشمال
لم تكن العبارة التي أوردها أمس بيان الدائرة الإعلامية في حزب القوّات اللبنانية، ردّاً على بيان اللجنة المركزية في التيّار الوطني الحرّ، التي أكدت فيها بأنّه “سيكون للشعب اللبناني موعد قريب مع الإنتخابات للتخلّص من جهنّم ومن أوصلهم إليها”، سوى تعبير واضح عن حجم الصراع الدائر، والمستمر منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بين أكبر جناحين حالياً في السّاحة المسيحية.
فمنذ أشهر عدّة طرحت القوّات اللبنانية فكرة إجراء إنتخابات نيابية مبكرة لم تلق تجاوباً من قبل أغلب القوى السّياسية المعنية، وتبيّن أنّه طرحٌ يستند إلى آمال يُعلّقها القوّاتيون على هذا الإستحقاق، ليس “لتجديد الحياة السّياسية” كما قالوا هم وغيرهم من الأحزاب التي دعت لتقديم موعد الإنتخابات النيابية، مثل حزب الكتائب مثلاً وغيره من النوّاب المستقلين والمستقيلين، إنما لزيادة عدد نوّابهم والتقدّم على كتلة التيّار البرتقالي، إستناداً إلى استطلاعات رأي تقول بتراجع التيّار وتقدّم القوات، واستخدام هذه الزيادة ما أمكن في انتخابات رئاسة الجمهورية خريف العام المقبل.
ولم يعد خافياً أنّ إنتخابات الرئاسة العام المقبل ستكون الهدف الذي سيستغل التيّار والقوّات كل إمكاناتهما للوصول إليه، وأنّ الصراع بينهما، وتحديداً بين رئيسي التيّار والقوات النائب جبران باسيل وسمير جعجع على التوالي، من الآن وحتّى الإنتخابات النيابية المقبلة سيكون على أشدّه، وانّ الطرفين لن يوفّرا إستخدام كلّ الأساليب وكلّ المحرّمات السّياسية والإعلامية والشّعبية من أجل تحقيق غايتهما.
غير أنّ الصراع السّياسي والشّعبي على السّاحة المسيحية لا ينحصر فقط بين التيّار والقوّات، فتيّار المردة يُجهّز العدّة لخوض إستحقاق الرئاسة الأولى بقوّة، وكان واضحاً أنّ تمسكه بوزيرين من قضاء كسروان يمثلانه في الحكومة العتيدة، دليلٌ على أن تيّار المردة يسعى بدوره لزيادة عدد نوّابه في الإنتخابات النيابية المقبلة، من خلال خوض الإنتخابات في أكثر من دائرة عبر محازبين وأصدقاء وحلفاء، ليزاحم التيّار والقوّات على صدارة التمثيل السّياسي والنّيابي على السّاحة المسيحية، والمؤشرّات الأولية تشير إلى نجاح كبير محتمل له في ذلك، إنطلاقاً من أنّ رئيس التيّار النّائب السّابق سليمان فرنجية يرى الفرصة مؤاتية له، هذه المرّة، للوصول إلى كرسي الرئاسة الأولى.
الأمر ذاته ينسحب على حزب الكتائب، الذي يسعى بدوره لرفع عدد نوّابه، من غير أن يُخفي رئيسه النّائب المستقيل سامي الجميل طموحه بالوصول إلى قصر بعبدا، وإنْ كان يعرف ضمنياً بأنّ حظوظه أقلّ من حظوظ باسيل وجعجع وفرنجية، وحتى من حظوظ مرشحين آخرين وشخصيات سياسية مستقلة.
غير أنّ كلّ الأحزاب والتيّارات السّياسية المسيحية تعلم جيداً أنّ طموحها بزيادة عدد نوّابها في الإستحقاق الإنتخابي المقبل ليس بيدها، ولا تملك قراره لوحدها، فهي تدرك من خلال التجارب الإنتخابية السّابقة بأنّ الدوائر المختلطة طائفياً ومذهبياً وسياسياً، وهي كثيرة، لا يمكنها الفوز فيها بلا التحالف مع آخرين، وتحديداً تيّار المستقبل والثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، وغيرهم، بعدما أظهرت الإنتخابات النيابية الماضية عام 2018 أنّ بين 20 ـ 25 في المئة من نوّاب التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية ومستقلين قد فازوا بأصوات غيرهم من بقية الأحزاب والطوائف والمذاهب، بفضل تحالفات إذا ما تغيّرت في الإنتخابات النّيابية المقبلة فإنّها ستقلب النتائج رأساً على عقب.