بعد الثقة… تبدأ تصفية الحسابات

ليبانون ديبايت – بولس عيسى

نسب للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه قوله أن من الأضداد التي يندر أن تتفق: الحماة والكنّة، عمر المرأة والحقيقة والمرأة والسر. هذا القول، وبغض النظر عن طبيعته الذكوريّة المرفوضة، لم يكن ليُنسب لنيتشه لو كان عايش المرحلة السياسيّة الراهنة في لبنان، باعتبار أنه لكان وجد أضداداً من المستحيل أن تتفق، وليس فقط “يندر”، داخل رعاة هذه الحكومة التي نالت الثقة البارحة.

فالقول الأصح في وصف مرحلة السنة وشهر الماضية في لبنان هو للكاتب والباحث ياسر سعيد حارب، بأن القلم بيد النمطي، يتحوّل إلى بندقية ضد كل من يخالفه الرأي، فما بالك بالحقيبة الوزاريّة، أي قلم القرار في السلطة التنفيذيّة، بيد النمطيين!؟؟

لذا وفي سياق الكلام عن النمطيّة والفكر النمطي، يمكن أن نقول إن هناك ثلاثة مواجهات وصراعات داخليّة ستقوم بعرقلة، إذا لم نقل تعطيل، عمل الحكومة التي للمناسبة، هي من أكثر الحكومات غير المتجانسة التي شهدناها في السنوات الـ15 الأخيرة، هذا بالرغم من أن معظمها يتكوّن من فريق عمل واحد، أي يحمل توجّهاً واحداً.

ولكن، بما أن هذه الحكومة تقف اليوم بعد نيلها الثقة على عتبة أبواب استحقاقات كبرى، وتحديداً الإستحقاقين النيابي والرئاسي، فهناك أربعة أطراف سياسيّة ستعمد إلى تصفية حساباتها مع بعضها البعض داخلها، باعتبار أن الساحة السياسيّة المشتركة الوحيدة المتاحة أمام هذه الأطراف اليوم للقتال السياسي، هي طاولة مجلس الوزراء.

الحساب الأول، هو لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. ويطمح فرنجيّة إلى تصفيته سريعاً قبل الإنتخابات الرئاسيّة، وبالتالي سيصعّد في معركته بوجه رئيس “التيار” لأنه لا يريد أن يقوم العهد بإعادة تعزيز أي رصيد له.

الحساب الثاني، هو لرئيس “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري مع باسيل أيضاً. ويسعى الحريري، ولأن لديه مصلحة كبيرة في ذلك، إلى خوض الإنتخابات النيابيّة المقبلة على قاعدة المواجهة مع صهر الرئيس، باعتبار أن الشارع السني وأكثر من يكرهه، هو هذا الرجل بالذات، وبالتالي أي تعبئة في هذا السياق ستساهم بتعزيز وضعيّة الحريري الإنتخابيّة.
الحساب الثالث، هو مشترك لكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وباسيل، مع بعضهما البعض. والأخير منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة، شنّ هجوماً على الأول الذي سُرّب عن مجالسه أنه قال: الله لا يخليني إذا بخلي العهد ينجح.

إنطلاقاً من هنا، لا شك في أن هذه المواجهات الثلاثة، وفي ظل الموقع الحيادي الذي يتخذه رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط في هذه المرحلة، ستستعرّ ولن تمرّ على خير على هذه الحكومة، ليس لسبب سوى لأنه من الواضح أنه ليس من لهم حساب مع باسيل، هم من يبادرون إلى “الطحش” لتصفيته وإنما العكس، فرئيس “التيار” هو من يطمح إلى الإستمرار في المواجهة مع الثلاثي بري، الحريري، فرنجيّة حتى النهاية، لأسباب رئاسيّة من جهّة وإنتخابيّة نيابيّة من الجهة الأخرى.

وبما أن هذه الصراعات، لن يكون لها ساحة لكي تتبلور سوى داخل الحكومة، سنشهد على طاولة مجلس الوزراء تصفية الحسابات المتبادلة بين الأطراف الثلاثة، التي هي أطراف أساسيّة في تركيبة الحكومة، الأمر الذي سيعيق حتماً عملها خصوصاً في الملفات الأساسيّة والمحوريّة التي من الممكن أن تُطرح على طاولتها بدءاً من ملف الكهرباء الذي كانت بدايته مع البيان الوزاري.

من الناحية الأخرى، “حزب الله” الذي لم يستطع القيام بأي شيء من أجل الدفع باتجاه التأليف السريع، لن يتمكن من ضبط الإيقاع أو الحسم على طاولة مجلس الوزراء لمصلحة هذا أو ذاك، لاعتبار بسيط وهو أن لديه مصلحة مع الأربعة الذين ينقسمون ما بين حلفاء له أو بمصاف الحلفاء مع وقف التنفيذ، الأمر الذي سيجعله مُحرجاً جداً من الدخول في هذه التجاذبات ومن الطبيعي أن ينأى بنفسه عنها ويكتفي بمجرّد النصح والكلام بالعموميات عن التضامن الوزاري ووجوب تسهيل العمل الوزاري.

وبناءً على كل ما تقدّم، الملف التعطيلي الأبرز على طاولة هذه الحكومة سيكون الكهرباء، جراء صراعات الثلاثي بري – الحريري – فرنجيّة بوجه باسيل والعكس بالعكس، فضلاً عن الملفات الخارجيّة التي من الممكن أن تعيق عمل الحكومة بدءاً من الملف السوري ومحاولة إعادة فتح العلاقات الرسميّة مع نظام الأسد التي لم ولن تتوقف، وصولاً إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وخرقها الحصار المفروض عليها عن طريق المعابر غير الشرعيّة إلى لبنان.

Exit mobile version