د. عدنان منصور*-البناء
فقط عندما يرى المواطن الحرّ في وطني مسؤولاً فاسداً وراء القضبان، ويجد قضاء عادلاً يحاكم من كان في السلطة، ومن لا يزال، اختلس المال الحرام… عندما تستردّ الحكومة الأموال المنهوبة المهرّبة إلى الخارج بصورة غير قانونية من قبل لصوص المال… وتكشف أسماء كلّ المتورّطين الذين نهبوا المال العام والخاص وهرّبوها إلى الخارج… عندما ترفع الحصانة، ويُزاح الستار عن الزعماء وكبار المسؤولين، والسماح للقضاء النزيه بالتحقيق مع من قصّر، وتقاعس، وأهمل، وتخلى عن مسؤوليته وواجباته الدستورية والقانونية، وسؤاله عن مصدر ثرواته الفاحشة، ومن أين له كلّ هذا… عندما يُجرّ إلى العدالة كل من استولى على عقارات تابعة للدولة، وعلى شواطئ بحرها وأنهارها… وعندما تنظف وتطهّر مؤسسات الدولة وهياكلها الإدارية والقضائية والأمنية من الفاسدين والمرتشين… ونرى القانون يطبّق على الكبير قبل الصغير، ولا يميّز بين ابن الست وابن الجارية…
وعندما يوضع في السجن كلّ المافيويين عديمي الضمير والإنسانية الذين تلاعبوا بأرواح وأرزاق الناس، وخزنوا من دون وجه حق، وبلا أخلاقية وإنسانية، الدواء، والغذاء، والسلع والمحروقات، وكانوا مباشرة وراء انهيار العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار، وأثروا من خلال السوق السوداء على حساب حياة وجوع المواطن.
عندما نرى المسؤول الأول عن أموال الدولة والعملة الوطنية، وانهيارها، ووعوده الزائفة، وهندساته المالية التي كانت في خدمة أصحاب البطون المنتفخة، أمام العدالة يُحاكَم وفقاً للقانون… وعندما تجري التحقيقات القضائية مع قراصنة المصارف ومخالفتهم للقوانين ذات الصلة، وما قاموا به من فضائح في مساعدة وتغطية المحظوظين على تهريب أموالهم، وتطبيق حكم القصاء عليهم.
عندما تتوقف في بلدنا المحاصصة والمنفعة، والمحسوبية، والصفقات المجهّزة مسبقاً، والتلزيمات من الباطن لأصحاب الحظوظ.
وعندما يعيّن الرجل المناسب في المكان المناسب… وتضع الحكومة حداً للعقود الملتوية، والتلزيمات والمقاولات المشبوهة التي تفتقد إلى الشفافية والنزاهة، والتي تفصل على قياس المحظوظين، وتخصص للمنتفعين والأزلام والحاشية.
عندما تضع الحكومة حداً للكارتيلات، والاحتكارات،
والوكالات الحصرية التي هي في خدمة زمرة فاجرة .
وتوضع خطة وطنية للإصلاح، ووزارة للتخطيط ومجلس إنماء فاعل على مستوى الوطن، وليس مجلساً لتخطيط الجيوب والمكاسب والمنافع والمشاريع وتوزيعها على حيتان البلد وناهبيه .
عندما يضع القضاء النزيه يده على كلّ الملفات المشبوهة، ويبت فيها، ويصدر حكمه العادل بحق كلّ من أثرى خلافاً للقانون، واستغلّ وظيفته ومركزه، و»شطارته»، وغزا على المال العام، وسرق ونهب.
عندما تفتح الحكومة ملفات حيتان المال الحرام الذين هدروا المليارات، وصرفوها من دون كشوفات وإثباتات وأدلة قانونية، وبعد ذلك تمنع الخطوط الحمر التي رسمتها الأيادي السود للمفسدين وما أكثرهم، من ملاحقتهم ومحاكمتهم.
عندما يتحرك التدقيق المالي الجنائي لمعرفة أين ذهبت أموال المودعين، وكيف بدّد حيتان المصارف أموال البلد والناس، وكيف استغلوا الوظيفة والسلطة، كي تطبّق أقسى العقوبات الجزائية بحقهم من دون مواربة، ومن دون تهرّب بتأثير من هنا أو هناك.
عندما تستعيد الدولة والحكومة ثقة العالم بها، ويستعيد زعماؤها احترام حكام العالم لهم، بعد أن شوّهوا صورتهم وصورة لبنان وأصبحت سمعتهم في الحضيض .
عندها فقط، نستعيد الأمل ونقول: في لبنان دولة وقانون ورجال… وفي لبنان حكومة تحيي فينا الأمل من جديد،
وتستعيد ثقة الشعب بها بعد طول غياب. حينئذ تستحق منا التأييد والدعم. من دون ذلك لا ثقة بها، وإنْ حظيت على ثقة المجلس! فبغياب ثقة الشعب، لا تستطيع مطلقاً أيّ حكومة أن تظفر بثقة أيّ جهة، تتقدّم على ثقة الشعب، وإنْ منحتها للحكومة!
ثقة الشعب بحكومته هي المعيار الأول لوجودها، وشرعيتها، ونهجها وأدائها، فهل تكون حكومتكم يا دولة الرئيس نجيب ميقاتي عملياً لا نظرياً، على مستوى المسؤولية الوطنية، أم أنها ستكتفي ببيان وزاري روتيني، ليكون من بين البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية السابقة، التي عرفها جيداً اللبنانيون بعد أن خبروها، وأصيبوا بالإحباط منها، حيث وللأسف، بقيت بياناتها حبراً على ورق، لم تجد طريقها مطلقاً إلى التطبيق، ولم يبق لها من أثر، إلا في «متحف» أرشيف السراي الحكومية !
نجيب ميقاتي… يا دولة الرئيس! افعلها ولو لمرة واحدة في حياتك السياسية، ليمنحك الشعب ويمنح حكومتك الثقة الصادقة الشفافة، حيث الشعب لا يزال محبطاً وهو في قاع المستنقع، وفي داخله شكوك كبيرة لجهة تحقيق الإصلاح والتغيير، ووقف الانهيار المتسارع للبلد، لأنه يدرك بفطرته وحسّه العميق، ومراقبته للأوضاع عن كثب، أنّ من لم يفعل ذلك قبلاً، لن يكون في نيته، ونهجه، وسيرة تجربته أن يفعلها اليوم؟!
افعلها يا دولة الرئيس! لأنّ الشعب توّاق، وينتظر بفارغ صبر، ويراقب باهتمام كبير أفعالكم لا أقوالكم، كي يصدر حكمه لاحقاً على أدائكم وأداء حكومتكم! فلا الحجج، ولا الكلمات العاطفية المنمّقة، ولا الدموع، ولا المبرّرات الواهية الأقبح من ذنب، ولا التخديرات الموضعية، والوعود العقيمة، ولا التذاكي مطلقاً بعد اليوم، يغطي ويبرّر أيّ فشل أو فساد !
إنها أشهر قليلة تفصلنا عما ستنجزه حكومة «معاً للإنقاذ»، وبعدها سيكون التقييم والحكم للشعب وحده !
إنْ كان الأمل لنا يا دولة الرئيس، فالعزم لك! لكن الوطن متعطش أكثر إلى سياسة الحزم !
افعلها يا دولة الرئيس قبل الانفجار الكبير، وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ