جوزفين ديب -أساس ميديا
وهذا ملفّ قد يقود إلى تفجير أزمة سياسية في البلاد. إلا إذا كانت التسوية الحكومية التي حظيت بمباركة أميركية، ستلتزم شروط التسوية الإقليمية الدولية وتبرّد النار المرشّحة للاشتعال من البحر هذه المرّة.
لِنَعُدْ إلى أصل الحكاية، الآن وقد بات لدينا حكومة جديدة:
عاد الحديث عن الترسيم إلى الواجهة بعد تصريح رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أعلن يوم السبت الفائت أنّ “إبرام إسرائيل عقوداً للتنقيب عن الغاز بالمنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان يعد نقضاً لاتفاق الإطار الخاصّ بترسيم الحدود البحرية بين البلدين“.
كلام برّي تبعته زحمة بيانات ومواقف لبنانية داخلية أدانت قيام إسرائيل بتوقيع عقود مع شركة التنقيب Halliburton، في ما يُسمّى “حقل كاريش”، المتداخل مع البلوك رقم 9 في لبنان.
لكنّ بلا أيّ أثر قانوني جاءت هذه البيانات والمواقف، ما دام لبنان الرسمي لم يوقّع بعد على تعديل المرسوم رقم 6433 الصادر في 1/11/2011 بناء على إحداثيّات خاطئة وفقاً للخط 23 الذي حدّد الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلّة. وكان ذلك بناءً على تقرير اللجنة الرسمية اللبنانية التي توصّلت إلى تحديد إحداثيّات نقاط الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من الجهات الثلاث، ومن بينها الخط 23 بتاريخ 29/4/2009.
لا جديد في هذا الكلام. فقد بات اللبنانيون خبراء في الخطوط الجغرافية وحيثيّاتها بفعل تكرار هذا السجال مراراً. وآخر السجالات رافق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية برعاية الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة التي جرت منذ أشهر، ثمّ توقّفت من دون الوصول إلى نتيجة. وذلك بعد تمنّع رئيس الجمهورية عن توقيع تعديل المرسوم الذي يحفظ للبنان حقّه من الثروة النفطية، وذلك مراعاةً للأميركيين وتزامناً مع فرض عقوباتهم على شخصيات لبنانية، وتحديداً على رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
بعبدا: المشكلة في الحكومة
ترفض بعبدا هذه القراءة. وتقول مصادرها لـ”أساس” إنّ ذلك النقاش كان في زمن حكومة تصريف أعمال. وتكذّب المصادر كلّ الكلام عن وعد قطعته بعبدا لديفيد شينكر (مساعد وزير الخارجية الأميركي في عهد دونالد ترامب) بإبقاء التعديل في الأدراج مقابل مرونة أميركية مع باسيل. وتؤكّد أنّ رئيس الجمهورية لم يرِد أن يوقِّع مرسوماً استثنائياً لِما لهذه القضية من رمزية تفرض الحصول على إجماع عليها في مجلس الوزراء.
فهل يوقّع عون المرسوم اليوم بعد تشكيل حكومة جديدة إذا كان العائق حينها يقتصر على حكومة تصريف الأعمال؟
تجيب المصادر المقرّبة من بعبدا أنّ “مجلس الوزراء مجتمعاً يقرِّر ذلك”. لكنّها تؤكّد في المقابل أهميّة تحرّك وزارة الخارجية، حيث رفعت مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي كتاباً حول هذه القضية إلى كلّ من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيسة مجلس الأمن مندوبة أيرلندا في الأمم المتحدة جيرالدين بيرن ناسون.
وطالب لبنان مجلس الأمن بالتأكّد من أنّ أعمال تقويم التنقيب لا تقع في منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، بغية تجنّب أيّ اعتداء على حقوق وسيادة لبنان، وبمنع أيّ أعمال تنقيب مستقبلية في المناطق المتنازع عليها تجنّباً لخطوات قد تشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليّيْن.
غير أنّ تعبير “منطقة متنازع عليها” أثار استغراب المتابعين للقضية. إذ لا وجود لمنطقة متنازع عليها في مفهوم الأمم المتحدة ما دام أمامها مستندات تؤكّد موافقة لبنان على المرسوم رقم 6433 والخطّ 23. لذلك لا سجال حول الحدود البرية والبحرية في مفهوم الأمم المتحدة ما لم يصلها أيّ اعتراض لبناني رسمي. أمّا مراسلة السفيرة أمل مدللي في هذه الحالة، فهي لا تعتبر كافية لتسجيل اعتراض لبنان على ترسيم حدوده الجنوبية، كما يقول متابعون.
ماذا تقول قيادة الجيش؟
قيادة الجيش هي الوحيدة التي تابعت القضية عبر إرسالها كتاباً إلى وزارة الدفاع بتاريخ 27/7/2021، أي منذ شهرين تقريباً، شرح سياق الإشكالية الحدودية منذ تشكيل اللجنة المشتركة الأولى بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 30/12/2008. وأهمّ ما في الكتاب الذي وصل إلى الوزيرة زينة عكر هي الفقرة “ج” التي تكشف أنّه بعد التدقيق من قبل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني بإحداثيّات نقاط الحدود البحرية الجنوبية (الخط 23) والحدود البحرية الجنوبية الغربية مع قبرص، تبيّن أنّه يشوبها أخطاء تقنية وقانونية. وعلى الرغم من ذلك تمّ إيداعها لدى الأمم المتحدة بموجب المرسوم 6433، وأهمّ هذه الأخطاء هي التالية:
1- إنّ هذا الخط (الخط 23) لا ينطلق من نقطة رأس الناقورة المحدّدة بموجب اتفاقية بوليه - نيوكومب الموقّعة عام 1923 بين فرنسا وبريطانيا، والتي تُعتبر النقطة ذاتها لانطلاق خطّ الحدود البرية، بل ينطلق هذا الخط من النقطة رقم 18 التي تقع في البحر على بعد حوالي 28م متراً من نقطة رأس الناقورة، مخالفاً بذلك قواعد ترسيم الحدود البحرية التي توجب انطلاق هذه الحدود البحرية من النقطة التي تنتهي عندها الحدود البرية.
2- إنّ النقطة رقم 18 المذكورة أعلاه تمّ إظهارها على خريطة بحرية تمّ إيداعها لدى الأمم المتحدة، وتبيّن أنّها في موقع على البرّ يقع شرق نقطة رأس الناقورة بمئات الأمتار عكس موقعها الحقيقي وفقاً لإحداثيّاتها المبيّنة في لائحة الإحداثيّات الجغرافية المرفقة بالمرسوم 2011/6433 المذكورأعلاه.
3- إنّ إحداثيّات نقاط الخط 23 لا تقع على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على خطّ الأساس اللبنانيوخطّ أساس الدول المجاورة، كما تمّ ذكره في محضر اللجنة المشتركة المشكّلة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2008/107 المذكور أعلاه.
4- إنّ إحداثيّات النقطتين 24 و25 الواقعتين بين النقطة 1 والنقطة 23، والمبيّنة في لائحة الإحداثيّات الجغرافية المرفقة بالمرسوم 2011/6433، لا تتطابق مع موقعها على الخريطة المودعة لدى الأمم المتحدة، حيث تمّ إعطاء إحداثيّات النقطة 24 للنقطة 25 وبالعكس.
ماذا طلب الجيش؟
بعد شرح مفصّل على الخريطة البحرية، طلبت قيادة الجيش من رئاسة مجلس الوزراء تكليف مَن يلزم ليُصار إلى سحب المرسوم رقم 2011/6433 والخريطة المرفقة به من الدوائر المختصّة في الأمانة العامّة لدى الأمم المتحدة، خاصة أنّ هذا المرسوم صدر في العام 2011 من دون استشارة مجلس شورى الدولة، لأنّ أخطاء كثيرة جداً تشوبه، ولا يمكن الإبقاء عليها كما أودعتها الدولة اللبنانية في الأمم المتحدة.
كذلك طلبت قيادة الجيش إجراء اللازم لناحية إيداع إحداثيّات نقاط الحدود البحرية الجنوبية الجديدة (الخطّ29) كما حدّدتها قيادة الجيش بموجب الكتاب رقم 2320/ع م/س تاريخ 2021/3/4، ووفقاً لجدول الإحداثيّات المرفق ربطاً بهدف حفظ الحقوق، خاصة أنّ العدو الإسرائيلي لا يزال مستمرّاً في أعمال الحفر والتنقيب شمال الخط 29على الرغم من سير المفاوضات. وطلبت إجراء اللازم أيضاً لناحية التواصل مع الجانب السوري لبدء التفاوض في تحديد الحدود البحرية بين الجانبين شمال لبنان، على أن يتمّ إيداع إحداثيّات نقاط هذه الحدود البحرية الشمالية بصورة نهائية بعد انتهاء عملية التفاوض. خصوصاً أنّ سوريا لم تودع حدودها البحرية مع لبنان لدى الأمم المتحدة حتى تاريخه على عكس العدو الإسرائيلي الذي قام بإيداع حدوده البحرية مع لبنان في تموز 2011.