“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
ليس هناك من رئيس حكومة في تاريخ لبنان لعب دوراً في إخماد حرائقنا الطائفية وحروبنا العبثية أكثَرمن صائب سلام. مهارته تسجّل في خانة مهارات أحد أهم رجالات الحوار والإعتدال في لبنان. في مفاوضاته التي أدارها ببراعة بين ياسر عرفات والدولة اللبنانيَّة حفظ وجه لبنان الدولة ولم يكسر منظمة التحرير التي كانت يومذاك حركة مقاومة عصيّة على إغراءات أوسلو. صولاته وجولاته مع المفاوض الأميركي اللبناني الأصل جنّبت لبنان صلف الحلول المدفعيّة وهادنت القوة الأميركيّة. ذهب إلى واشنطن مبعوثاً من الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل وفاوض على إستقرار لبنان في البيت الأبيض. سبع مرات رئيس حكومة سابقاً كل رؤساء الحكومة في ترأس مجلس الوزراء. عايش الإحتلال العثماني والإنتداب الفرنسي والوجود السوري.
الرئيس ميقاتي يترأس حكومة في أوضاع مشابهة. دولة منقسمة ومقاومة محاصرة وبيت أبيض يعمل على تعزيز هيمنته عبر حرب تحالفات ومحاور قوى. الإنقسام العمودي بين اللبنانيين على أشدّه وحرب المحاور حامي الوطيس. ثلاثة إستحقاقات إنتخابيّة بلدية وتشريعية ورئاسية وعدو إسرائيلي يتربص بثروتنا النفطية وحقولنا الغازيَّة وخلايا إرهاب نائمة مستعدّة للتحرّك وفق أجندات إسرائيلية. إضف إلى ذلك قطيعة سعوديّة وأزمة إقتصادية تكاد تهدد الكيان. الأصح أن نقول أنّ ما واجهه صائب سلام أقل بكثير مما سيواجهه الرئيس ميقاتي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان.
الوقت ليس لصالح الرئيس ميقاتي. هناك من يعمل للتقويض من دون أدنى شك. خربطة مواقيت الإنتخابات لإحداث فراغ دستوري ستكون على قائمة التحديات. نجاح الرئيس ميقاتي في تأمين هذا الإستحقاق ستضعه في خانة الرؤساء الذين أنقذوا الطائف من خطر نقل لبنان من صيغة قابلة للحياة إلى لبنان مشرذم ومفتت ومقسَّم. سيكون عليه أولاً ألا يُضرَب من بيت أبيه. قدرته على التعايش هذا البيت نابعة من شخصيته الحوارية الإستثنائية ومن خروجه من هذا البيت والعودة إليه من دون ضغائن. أن يدخل الرئيس ميقاتي نادي الرؤساء الكبار يمر حتماً من تعففه عن خوض الإنتخابات بالمباشر وغير المباشر. ما أن يعلن ذلك حتى يصبح أكبر من طائفته وعلى قياس لبنان بجميع طوائفه. في مقابلته الأخيرة على شاشة أميركية وازن رئيس الحكومة بين سيادة لبنان وحماية المقاومة. كل ما عدا ذلك قصور في الفهم وقلّة دراية عن كيف يتصرّف رجال الدولة.
رئيس الحكومة أفضل من يحاور المجتمع الدولي اليوم. فرصة لم تعطَ لأحد ممن سبقوه. مع نيل حكومته ثقة وازنة في المجلس سيبدأ رحلة التفاوض الحقيقية يساعده في ذلك تغيّرات جيو سياسية ستعطيه هامشاً كبيراً للمناورة. الأهم أن يبدأ بإراحة شعبه. أن يُحِسِنَ الإستفادة وبسرعة من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي أوَّل الغيث. تلزيم الكهرباء وتثبيت سعر صرف الليرة وتعديل الأجور والدفع باتجاه عودة العلاقات اللبنانية السورية إلى مسارها الصحيح والحفاظ على الثروة النفطية والبدء بالتنقيب لا تحتاج إلى أكثر من مئة يوم.
وعد الرئيس وزراءه ألا يناموا. الطائفة السنية بحاجة إلى قيادة خارج الإصطفاف التقليدي والحسابات الضيقة. لبنان الجديد قد يكون من توقيع الرئيس ميقاتي إن هو بادر في هذه الأزمنة الصعبة. حلولنا يجب أن تكون من صنع أيدينا والناس على شفير الإنهيار النفسي والإجتماعي. أن يقتدي الرئيس ميقاتي بمهارة صائب سلام لا يجعله زعيماً طرابلسياً فحسب بل زعيماً لبنانياً. فرصته اقتنصها بنجاح في حكومتين. الثلاثة ثابتة ليثبتَ لبنان.