أميركا تكذب…
نبيه البرجي-الديار
حتى «الحرملك الأميركي»في لبنان يقول: … أميركا تكذب!
وحتى فرنسا، الغاضبة هذه الأيام بعدما أفلتت صفقة الغواصات الأوسترالية من يدها، والتي طالما تماهت سياساتها (سياسات القرن التاسع عشر) مع سياسات الولايات المتحدة، لم تستوعب حتى الآن مدى الكذب الأميركي. أيضاً مدى الخيانة الأميركية. صحيفة «ليبراسيون» تساءلت»…وهل يرف جفن للفيلة»؟
المتحدثة باسم الخارجية الأميركية لاحظت أن النفط الايراني يعرّض لبنان للخطر. لم تقل لماذا الأساطيل المنتشرة من مضيق هرمز وحتى ضفاف المتوسط لم تمنع عنا هذا الخطر. هذه الأساطيل أمّنت الحماية للناقلات خشية أن تقدم حكومة نفتالي بينيت على أي حماقة يمكن أن تفجر الشرق الأوسط.
أميركا التي لا ترى سوى «اسرائيل» كدولة تستحق البقاء في المنطقة، ماذا فعلت للبنان حين كان تحت الاحتلال لنحو عقدين من المعاناة، المعاناة حتى الموت، وهي العرابة الكبرى لتلك المنظومة السياسية التي حوّلت لبنان الى… جهنم؟
هل نتصور أن ادارة جو بايدن تدخلت لاستجرار الكهرباء للبنان من الأردن، وأنها دفعت في اتجاه تشكيل الحكومة، لو لم تستشعر أن ايران، ببواخر البنزين والمازوت، يمكن أن تزيل لها أي أثر في هذا البلد؟
المهزلة أن تبدي الادارة اصرارها على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها. أهي معنية فعلاً بتداول السلطة (تداول السلطة بين من ومن؟)، أم هي معنية بتقويض أي خطوة نحو اقامة الدولة المدنية كسبيل وحيد الى الخلاص، من خلال قانون انتخاب لطالما قلنا انه لا يليق بالقردة، كونه يشق الطريق الى الكانتونات المذهبية التي تفضي، حتماً، الى زوال المفهوم الحضاري للدولة اللبنانية؟
حتى هيئات المجتمع المدني، وحيث تتجلى، أيضاً، كل مظاهر النرجسية، والزبائنية تدعو الى الانتخابات النيابية دون أن تطرح القانون البديل، بل دون أي اشارة الى ما يحتويه القانون الحالي من هرطقة سياسية، وهرطقة دستورية، مريعة.
حين يكون الحد الأقصى لما يحلم به اللبنانيون الخروج من تحت الأنقاض، يؤكد الرئيس ميشال عون على أن السنة الأخيرة من عهده (سنة البطة العرجاء) ستكون سنة الاصلاحات الكبرى، والتغييرات الكبرى!!!
يا فخامة الرئيس، هل تقصد فعلاً ما تقول، وهل أن الطبقة السياسية التي تعاملت أخطبوطياً مع المال العام يمكن أن تقبل باصلاحات يفترض أن تزيلها، وتزيل كل من يمت اليه بصلة، من وسط المغارة؟
ألا يشكو رئيس الجمهورية من الصلاحيات الملتبسة، ومن المصالح المتشابكة، وهو الذي يعتبر أن تشكيل الحكومة، على تلك الشاكلة، انتصار له، لأنه أعاد تكريس الميثاقية، الوجه الآخر، بل الوجه البشع، للمحاصصة.
اذا كان هناك من اصلاحات، فهي الاصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي الذي غالباً ما يكون ضحاياه أصحاب البطون الخاوية، والذي غالباً ما يستسيغ التعاطي مع تماثيل الملح في هيكلية السلطة.
هنا رئيس الجمهورية ليس شارل ديغول الذي حمل صليب اللورين على كتفيه، ولقد فعل به ريتشارد هيلمز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد ريتشارد نيكسون، ما فعله يهوذا بالمخلص.
رئيس الجمهورية رهينة ليس فقط للنصوص، وحيث الالتباس الدراماتيكي بين الصلاحيات وبين التوازنات، بل وأيضاً لشبكة المصالح التي تربط أركان الطبقة السياسية ببعضهم البعض. ألم يصل الجنرال الى الكرسي الرئاسي بتسوية منتصف الليل مع ذلك النوع من البشر؟
شعار الاصلاح كان ممكناً تسويقه حين كان هناك «شيء»يدعى «شعب لبنان العظيم». هذا الشعب تحول الى طوابير (لكأنها طوابير الماعز) ان أمام محطات الوقود أو أمام صناديق الاقتراع.
لم يعد حلم اللبناني (واللبنانية) أن يتناول فنجان القهوة على سطح منزله مع جاره القمر. الآن تنكة البنزين، أو تنكة المازوت، هي الحلم . أحد وزراء الصدفة استنتج، بعبقريته، «مادام هناك خبز هناك دولة»، كما لو أن السيد المسيح لم يقل «ليس بالخبز وحده يحيا الانسان»…