عشية بدء عام جامعي جديد، لا يجد طلاب التعليم العالي مجدداً من يحميهم من الوقوع ضحايا الفروع غير المرخصة للجامعات التي لا تزال تحتمي بغطاء حزبي وطائفي وتتفلّت من المحاسبة ومن عدم تنفيذ قرارات مجلس التعليم العالي بإقفالها جميعاً
إلّا أنّ أيّاً من هذه القرارات الصادرة في ولاية الوزير الأسبق أكرم شهيب لم تُنفّذ في عهد خلفه الوزير السابق طارق المجذوب، بل العكس هو ما حصل، إذ رفع المجذوب إلى مجلس الوزراء في أيار 2020 مشروع مرسوم للترخيص لفروع جغرافية تابعة للجامعة اللبنانية الدولية في بيروت وطرابلس وصيدا والنبطية، وقد أقرّ المرسوم من دون مروره على مجلس التعليم العالي، فيما هناك جامعات أخرى لديها طلبات لفروع واختصاصات وبرامج بالمئات ومستوفية الشروط وفق تقارير اللجنة الفنية التابعة للمجلس، بقيت طلباتها مرمية في الأدراج.
وفي تحدٍّ آخر لإنذارات مجلس التعليم العالي، رخّص المجذوب بموجب القرار 559/م/2020 للجامعة اللبنانية الكندية بمباشرة تدريس برنامج بكالوريوس في هندسة المعلوماتية والاتصالات من دون موافقة أعضاء المجلس الذي يترأسه الوزير نفسه. وبحسب مصادر المجلس، حاول المجذوب في الجلسات التي عقدها طيلة فترة ولايته، والتي تقلّ عن 10 اجتماعات، تسوية أوضاع متخرّجي الجامعة نفسها في ماستر العلوم الدبلوماسية والاستراتيجية، وهو الاختصاص الذي درّسته الجامعة قبل حصولها على قرار الترخيص ومباشرة التدريس، وفي كل مرة كان المجلس يؤكد توصيته السابقة بخصوص رفض تسوية مخالفة قانونية. وعلمت «الأخبار» أن معظم المتخرجين من هذا الماستر هم من الأمنيين والنافذين ورجال الأعمال. فيما المفارقة أن الماستر المطلوب الترخيص له لا يتضمّن أي مادة في الدبلوماسية والدراسات الاستراتيجية، وهو أقرب ما يكون إلى ماستر في الحقوق، ومع ذلك، عبر الملف على اللجنة الفنية وكان هناك إصرار على إقراره.
المجذوب رفض أيضاً توصية مجلس التعليم العالي في ما يخصّ كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية الفرنسية، وطلب من أمانة سر المجلس التواصل مع اللجنة المكلفة بدراسة وضع الكلية وإعادة عرض الموضوع على مجلس التعليم العالي ليُصار إلى اتّخاذ التوصيات المناسبة، وتحويل ملفات المتخرجين إلى الجامعة اللبنانية لتقييم مستوى الطلاب ومشاريع التخرج. ووفق مصادر المجلس، فرض المجذوب رأيه رغم رفض كل أعضاء المجلس، وطلب من لجنة مزاولة مهنة الهندسة في نقابة المهندسين قبول طلبات الطلاب للانتساب إلى النقابة، في تجاوز لتوصية مجلس التعليم العالي. وتفيد المعلومات، أن 10 في المئة فقط من متخرّجي هذه الجامعة انتسبوا إلى السنة الدراسية الأولى واستمروا حتى السنة الأخيرة.
أما تقارير اللجنة الفنية خلال الوزارات المتعاقبة فكانت تصاغ غب الطلب، ولم تكن هناك دراسة وافية للملفات، بدليل أنها ذكرت، مثلاً، في تقريرها حول الفرع الجغرافي للجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا AUST في بحمدون أن أقساماً من مبنى الفرع مستأجرة كمحال تجارية، وعادت وأوصت بالترخيص لفرع السياحة فقط، بعد موافقة مجلس التعليم العالي. وحصل الأمر نفسه بالنسبة إلى الفرع الجغرافي لجامعة MUBS في راشيا الذي طلبت الترخيص له رغم أن استثمار المبنى هو لعشر سنوات، فيما القانون يشترط أن لا تقل المدة عن 25 عاماً. وفي متابعة الملف، ارتكب الوزير أكرم شهيب «سقطة» بالطلب من مجلس التعليم العالي بالأخذ بتوصية اللجنة الفنية بالترخيص. وبنتيجة التصويت وافق المجلس على الترخيص، ومرر غالبية الأعضاء الملف إكراماً للوزير، رغم رفض عدد من أعضاء المجلس.
وكان ملف الجامعات الخاصة وفروعها دخل، خلال ولاية شهيب، مرحلة جديدة من التنظيم والمتابعة والتدقيق، لا سيما بعد انكشاف فضيحة بيع الشهادات المزوّرة. وقُسّمت الجامعات إلى مجموعات يضم كل منها 10 جامعات، وشُكّلت لجان فرعية نفّذت زيارات ميدانية للفروع وأعدت تقارير مفصّلة بشأن نقاط القوة والضعف في كل منها ورفعتها إلى مجلس التعليم العالي لاتخاذ القرارات، وهكذا صار، إذ اتّخذ المجلس القرارات ولم تنفذ، وشمل التدقيق الكليات والفروع والجامعات المرخصة وغير المرخصة لجهة إقفال غير المرخصة وتقييم أوضاع المرخصة.
هذا المجلس كان يرفض على مدى الجلسات المنعقدة خلال ولاية المجذوب ما كان يرد في جدول الأعمال من تسوية مخالفات وإعطاء تراخيص لفروع واختصاصات وفي شهادة الماستر من دون دراسة وافية وكاملة وشاملة، وقد وضع شروطاً لذلك، وهو ما دعا المجذوب لوصف المجلس بأنه «غير منتج»، وطلب تغييره مرتين. الأولى حين أراد تبديل الخبراء والثانية حين سعى إلى إعادة هيكلة كل المجلس، باعتبار أنه لم يكن مطواعاً بيده، بعكس مجالس التعليم العالي السابقة واللجان الفنية التي كانت تغضّ النظر عن المخالفات ولا تدرس الملفات، بدليل أن الكثير من التوصيات بالتراخيص كانت تشوبها مشكلات أكاديمية وقانونية.
محاولة المجذوب إعادة الهيكلة أتت رغم أن ولاية المجلس المحددة بثلاث سنوات تنتهي في 28 تشرين الأول 2021، علماً أن شهيب أعاد هو الآخر هيكلة المجلس في حزيران 2019، بعد التحقيقات القضائية بشأن ملف بيع الشهادات واختار ثلاثة أعضاء جدد، ما يعني أن ولاية مجلس التعليم العالي تنتهي فعلياً في حزيران 2022.
وكان المجلس كلّف الخبير في التعليم العالي عبد الحسن الحسيني وضع إطار لاستراتيجية وطنية للتعليم العالي خلال ولاية شهيب، تركز على جعل هذا القطاع منتجاً للوظائف ومطوّراً للاقتصاد وتنويع مجالاته ومعزّزاً لمعدلات النمو من خلال آلية محددة لتطوير الإنتاج المعرفي وبيع براءات الاختراع والمنتج المعرفي، على غرار ما حصل في الصين وماليزيا. وعندما لم يتسنَّ للمجلس متابعة الاستراتيجية وعرضها على مراكز القرار، قدم الحسيني شخصياً نسخة عن الاستراتيجية للوزير المجذوب بهدف متابعتها وإقرارها، لكنها بقيت في الأدراج.
مجلس التعليم العالي، بحسب مصادر من داخله، يأمل أن يسعى الوزير الجديد لإقرار الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، واستكمال المشروع الذي انطلق في عهد شهيب لجهة التدقيق بكل الفروع الجغرافية المرخصة لتقييم أوضاعها وغير المرخصة لإقفالها إذا لم تتقدم بطلبات جديدة وتكون مستوفية للشروط الأكاديمية والقانونية.