ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

أمريكا وأوروبا على مُفترق طرق ، كيف يفكّر الاوربيون ؟

– د . جواد الهنداوي

لم تشهدْا القارتان ( امريكا و اوربا ) ، و على مّرْ التاريخ ، اختلاف و خلاف و انحسار ثقة ، مثلما تشهدا في الوقت الحاضر . ما قاله و مافعله الرئيس الامريكي السابق ،ترامب ، و بعنجهيّة ،تجاه اوربا ، يفعله اليوم الرئيس بايدن ، ولكن بدبلوماسية و بتهذيب . دوافع كلا الرئيسيّن ليس فقط مصلحة امريكا ، و انما الحيلولة دون انهيارها ، او تمديد عمر هيمنتها وسيطرتها . السبب الذي يجعل امريكا ان تكون مع حليفها ( اوربا ) على مفترق طرق هو سبب استراتيجي بأمتياز .
أتحدت الدول الاوربية ،شرقاً و غرباً ، بكيان و بمؤسسّات و بقوانين وبأنظمة و بآليات عمل ، يسير هذا الكيان بقيادة ألمانية ،أقتصادياً ، و بقيادة فرنسيّةسياسيّاً . فرنسا اليوم هي التي تستدعي سفيرها في واشنطن و سفيرها في استراليا للتشاور . الاجراء هو تعبير دبلوماسي عن استغراب و امتعاض فرنسا لما اقدمت عليه امريكا و استراليا : توقيع اتفاق تحالف استراتيجي وبمشاركة بريطانيا ،ينّظم مصالحهم وجهودهم في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي ، ( تحالف اوكوس ) ، دون تشاور مُسبق و دون حتى اعلام فرنسا او الاتحاد الاوربي .
اعلن الاتحاد الاوربي ،في تصريح رسمي وبتاريخ ٢٠٢١/٩/١٦ ، انه يقّيم التبعات والنتائج لهذه المعاهدة الامنية ( اوكوس ) ، و اكدَّ البيان بأن الاطراف المعنيّة بهذه المعاهدة ( امريكا ،استراليا ، بريطانيا ) ،لم تتشاور معنا ولم تُعلِمَنا ، ونحن نقوم الآن بدراسة تبعات و اثار هذه المعاهدة ، وعلى اتصال بالاطراف المعنية للحصول على معلومات اكثر قبل تحديد موقفنا ( هذا ما وردَ في البيان الرسمي للاتحاد الاوربي ،المشار اليه اعلاه ). بموجب اتفاق اوكوس ،الغت استراليا عقداً مع فرنسا لشراء غواصات نووية بقيمة ٦٠ مليار دولار ، و وصفت فرنسا قرار استراليا بالمؤسف ولا يعبّر عن روح تعاون ، واستدعت سفيرها في استراليا للتشاور .
وفي ذات اليوم ،اي في ٢٠٢١/٩/١٦ ،اعلن الاتحاد الاوربي ، وعلى لسان منسّق الشؤون الخارجية للاتحاد الاوربي ،السيد جوزيف بوريل ، وفي مؤتمر صحفي ، ان الاتحاد له استراتيجية تجاه منطقة المحيط الهندي و الهادي ، و لنا مصالح وعلاقات مهمة في المنطقة ، قائلاً ان مستقبل الاتحاد الاوربي مرتبط بتلك المنطقة ، وان الاتحاد هو اكبر مستثمر و احد اكبر الشركاء التجاريين و التنمويين في المنطقة ، و إنَّ استراتيجيتنا هي التعاون وليست المواجهه .
لم يقتصر أنزعاج و قلق و آسف اوربا( دولاً واتحاداً ) من امريكا على ما عقدته امريكا مع استراليا و بريطانيا باتفاق ” اوكوس ” ، وانما ايضاً من انسحابها من افغانستان دون تفاهم وتشاور مع الجانب الاوربي ، او مع الناتو ، الامر الذي سبّبَ احراجاً لهم امام شعوبهم و العالم ، بأعتبارهم كانوا جميعاً ( امريكا والغرب والناتو ) في افغانستان وبأسم جبهة و تحالف الغرب . وهذا ما وردَ في القرار الصادر من البرلمان الاوربي بتاريخ ٢٠٢١/٩/١٦ ، و المتعلق بالانسحاب من افغانستان ، وتحت عنوان ” السياسة الخارجية و الامنية في افغانستان مُنيت باخفاق جماعي ، و إنَّ هذا الاخفاق يمكن ان يكون ميّزة استراتيجية للقوى غير الغربية والبلدان المجاورة لاسيما باكستان والصين وبدرجة اقل روسيا .أكدّ القرار الاوربي ايضاً بأنَّ المشاركة العملية مع حكومة طالبان ضرورة على مستوى اللوجستية و الانسانية و ذلك من اجل توفير المساعدة الانسانية .
ومن احدى التداعيات غير المباشرة للانسحاب الامريكي المفاجئ من افغانستان ، هو استقالة وزيرة الخارجية الهولندية بعد قرار البرلمان الهولندي بمسؤولية مجلس الوزراء الهولندي في الفشل بأجلاء ١٠ رعايا هولنديين ، ظلوا عالقين في افغانستان .
التحالف الامني والعسكري الجديد بين امريكا وبريطانيا و استراليا ، و السياسة الامريكة تجاه الاتحاد الاوربي ،والتي تنتهج ،سّراً ،مسار اضعاف الاتحاد الاوربي أقتصاديا ، ونقدياً ، وعلناً تهميشه سياسياً تدفع بفرنسا و بالمانيا بالعمل على تحصين الاتحاد وتعزيز قوته اقتصادياً وعسكرياً.
يدركون الاوربيون الآن بأنَّهم فقدوا في حليفهم الامريكي اعتباريّن اساسيّين : الاعتبار الاول هو ثقتهم بهِ ( بالامريكي ) ، وعدم تردده في تهميشهم . الاوربيون يعتقدون بأنَّ لاسرائيل الاسبقية و الاولوية ، عليهم ، بالاستشارة وبالمعلومات الاستراتيجية من لدن امريكا !
تتشاور امريكا وتتبادل المعلومات ،والتي تخّصُ الملفات الدولية الساخنة او القرارات الاستراتيجية الامريكية ، مع اسرائيل ، قبلَ او دون ان تتشاور امريكا مع قادة اوربا !
احياناً يُعلمْ الاوربيون بأمر سياسي او عسكري تتخذه او سوف تتخذه امريكا ليس من قبل الادارة الامريكية او احدى مؤوسساتها و انما من قبل اسرائيل !
حتى ان اسرائيل تمارس التجارة او الابتزاز او المقايضة بهذه المعلومات !
الاعتبار الثاني هو أنَّ الاوربيين فقدوا في حليفهم الامريكي قوّته وهيمنته الاقتصادية والعسكرية ، وكذلك مكانته الدولية . بالنسبة للاوربيين ،امريكا لم تعُدْ كما كانت ، وستمرّ بمرحلة الانكفاء من اجل تدبير احوالها و معالجة او مقاومة عوامل التعريّة التي تنهش في جسدها .
سيتخذ الاوربيون خطوات جديّة وعملية في تأسيس جيشهم ، وسيعتبروه مقوّم اساسي لتعزيز اتحادهم .الانكفاء الامريكي سيدفع ببعض دول اوربا الشرقية ، والقريبة من الولايات المتحدة الامريكية ، الى الاندماج و التمسك اكثر بقيم و بسياسات الاتحاد الاوربي .
ستتحرر ، نسبياً ، دول الاتحاد الاوربي ،وخاصة فرنسا و المانيا من أملاءات امريكا في سياستهم تجاه ملفات منطقتنا . وعلى دولنا توظيف هذه المرحلة ، والتي تشهد ظاهرتيّن او حالتيّن : ظاهرة او حالة التحرر الاوربي النسبي من املاءات امريكا ، وخاصة على الصعيد السياسي و الاقتصادي ؛ وظاهرة الانكفاء الامريكي او ما أسميته في مقال سابق ،التخلي الامريكي عن المنطقة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى