“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
أخيراً، جاء من يبقّ بحصة النفط في لبنان، وبصراحته المعهودة وبصفته قيّماً على مصالح الطبقة وعضواً فيها، نطق رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، بكلمة السر: “لم نعد نعلم من أين تأتي قوافل المازوت والبنزين والنفط. كترو المحبين الى درجة قد نصبح فيها بلداً مصدراً للنفط دون ترسيم حدود ودون تنقيب لا شمالاً ولا جنوباً ولا بحراً ولا براً”.
عملياً، كلام جنبلاط يستبطن نعياً واضحاً لمسار المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ونعياً لإمكانية تطبيق شركات النفط الأجنبية لالتزاماتها المقطوعة حيال لبنان بما له صلة بالتنقيب المقبل في البلوك رقم 9، وهو كلامٌ راج مؤخراً حين زار وفد لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي بيروت.
إذاً، عُلّق موضوع الترسيم على خشبة. في الأساس، قرارُ تجميد المسار متخذٌ منذ مدة بفعل قرار أميركي له صفة الضغط على الوفد المفاوض، في محاولة لـ”تقشيطه” التزاماته التي أعلن عنها على طاولة الناقورة ودفعه صوب التراجع عن طرح تعديل المرسوم 6433 وعن رفضه عبور المفاوضات تحت راية “إتفاقية الإطار”. بموازاة ذلك، إختار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عدم “تنشيف دمنا” كما سبق وحدث طوال 9 أشهر من عمر التكليف الثاني قبله. أنجز بيانه الوزاري في غضون 3 جلسات وها هو يتحضّر لبلوغ عتبة الثقة المؤمّنة طبعاً. رقم سياسي/قياسي يُسجل له صراحة!
دعكم من التطبيل، فالبيان موضع الإشارة لم يتضمّن أي اختلافات تُذكر عن المعهود/السائد من البيانات. كلها تقريياً مواد إنشائية متشابهة لا تصلح سوى للقراءة والتأمّل. أساساً، ميقاتي وهو بالنتيجة رجل أعمال وراعٍ لمصالح طبقة الـ1% الجاثية على صدر البلاد ومقدّراتها، لا يُتوقع منه مثلاً إخضاع المصارف لموجة “الإصلاح” المقبلة، كما أنه لا يُتوخى منه تحميل ولو جزء بسيط من المسؤولية إلى الشركات المالية بصفتها ضالعة في مسار الإنهيار الحاصل. جلّ ما يمكن أن يحصل، طلب مناقشتها لا أكثر ولا أقل!
على أي حال، كل ما ورد في البيان مطلوب ومهم، لكن ما يهمنا أكثر كاستحقاق قريب الأجل، موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية المُحاصرة حالياً بفعل قرار أميركي والمدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء. عملياً، ما ينطبق على الشركات ينطبق على هذا الشقّ ايضاً. ميقاتي الذي رعى خلال حكومة عام 2011، المرسوم 6433 وأودعه الأمم المتحدة على الشكل المشوّه الذي أُودع فيه، لا يُتوقع منه أن يعيد صياغة المرسوم على نحوٍ مخالف، وفي الواقع، إن العديد من المعنيين في الملف توجّسوا حين كُلّف ميقاتي وألّف، وأحدهم ذهب ليتقبّل التعازي، لا بالإمكانية الضئيلة لتعديل المرسوم فحسب وإنما بالمسار بأكمله!
عملياً، ثمة من يوحي بأن مسألة الترسيم عائدة وبقوة خلال الفترة المقبلة وأن لا مؤشرات توحي بذلك. يستمدّ هذا البعض طموحه من جوّ دولي ينهل قوته من المتغيّرات الإقليمية التي تحدث، ويحاول أن يؤسس لإطار جديد للتفاوض يخلف السابق، على قاعدة مدّ المسار بحقن تغييرية تُعيد إليه الروح. ويبدو أن الجهة المطلوب منها المبادرة، لبنانية، وبما يخدم نظرية إدخال تعديلات على تركيبة الوفد، لا يُبتغى منها سوى طرد بعض “الأصوات المزعجة”.
أمرٌ آخر يوحي بنوايا لإعادة المسار، تتصل بإدراج ملف الترسيم ضمن البيان الوزاري رغم أننا مثلاً نعتقد أن الإدراج أتى اساساً وفق صيغة المحاصصة التي شملها البيان نفسه، بمعنى غياب التصور الواضح لإدارة موضوع الترسيم، وليس استناداً إلى أية تطورات حقيقية طرأت عليه، طالما أن الأميركيين ما زالوا يفرضون مشيئتهم على المسار ككل، وسط غياب الرغبة لدى المعنيين الرسميين في استئناف المسار.
ما علينا، سنكون إيجابيين ونركن إلى ضفة الإيجابية. تأسيساً على ما تقدم، يُفترض أن يكون الوزراء المعنيين بأمر الترسيم و بالمرسوم 6433 على أهبة الاستعداد وتجهيز الذات تحضيراً لعمل شاق ضمن المضمار الحدودي، وعملاً بالإعتقاد السائد بوجود دور فعّال لهم، وما يمكن توجيهه من نصائح إليهم، يكمن في اعتماد خاصية “الإستماع وعدم التجاهل” والتمايز عن نظرائهم الذين اتّسموا بالقدرة الفائقة على إغلاق آذانهم متى اقترب أحدٌ ما من موضوع الترسيم من أصله وتقصّد قراءته على الدوام من زاوية سياسية لا حقوقية/وطنية.
كما بات معلوماً، اشتمل المرسوم 6433 على أخطاء قاتلة لناحية تقدير المسافات الجغرافية لحقوق لبنان البحرية وطبيعة النقاط التي وُضعت والتي ضيّعت على لبنان فرصةً ثمينة في إثبات حقه..الخ، وقد حاولت قيادة الجيش تصحيح الخلل الفاضح، ولعلّ آخر محاولة سجلت بتاريخ 27 تموز الماضي حين طلبت وبكتاب رسمي موجّه إلى وزارة الدفاع، إسترداد المرسوم 6433 لإعادة تصحيحه، فهل تُقدم حكومة ميقاتي على الخطوة؟
نظرياً لا، وهذا يمكن ردّه إلى موقف ميقاتي السابق إذاً، ولـ”تكدّس” المشاريع على طاولة رئيس مجلس الوزراء. لكن بعض المتفائلين يجزمون بأن الأمور تغيرت وتبدلت منذ ذلك الحين. أولاً بعد إدراك أكثر من طرف مدى أهمية موضوع النفط في البحر وبالتالي أهمية تصحيح الخطأ الذي اعترى المرسوم المذكور، إلى جانب حالة السباق التي تعيشها البلاد بفعل إشارة “حزب الله” سابقاً لتولّي هذا الأمر، ما يفترض وعملاً بمبدأ مزاحمة الحزب، أن يشهد الملف على تطور مـا. إلى جانب ذلك، ثمة صورة مختلفة بدأت تظهر حديثاً، لها علاقة بالتقدم بمجال الإهتمام بالنفط في المنطقة بدليل عودة الحياة إلى الخط العربي، وبالتالي قد تجد الجهات الخارجية المعنية بهذا الملف ظروفاً مريحة أكثر لاستكمال إنجاز المسار على قاعدة المصلحة، وربما قد نشهد على عودة “توتال” التي تطلّ برأسها من جنوب العراق.