الإخوان بين المشرق والمغرب

المصدر : محمد حسن التل

تحولت جماعة الإخوان المسلمين منذ منتصف القرن العشرين إلى تيار امتد في كثير من دول العالم العربي، ونشأت في دول كثيرة حركات إسلامية تحت لواء جماعة الإخوان، وظلت مرجعيتها الجماعة في مصر، لفترة من الوقت، ثم تحولت إلى حركات مستقلة وإن جمعها التنظيم الدولي الذي لعب دورا استشاريا أكثر من الدور المباشر في مسيرة كل جماعة أو حزب يعمل تحت فكرة الإخوان، وتعرضت هذه الأحزاب التي عملت تحت مسميات كثيرة في دول الشرق العربي إلى ضربات كبيرة نتيجة صدامها مع الأنظمة ببعض الدول العربية وحملها السلاح في كثير من الأحيان كما هو الحال في مصر وسوريا، ودفعت أثمان باهظة نتيجة ذلك. والواقع أن حركة الإخوان في دول المشرق العربي اعتمدت الصدام كأسلوب عمل في كثير من المراحل بعكس تلك الموجودة في دول المغرب العربي التي تأثرت في تفكيرها وأسلوب عملها بطريقة تفكير الأحزاب الغربية نتيجة قربها من القارة الأوروبية واحتكاكها مع تجربتها في العمل السياسي؛ حيث مالت إلى الحوار مع الخصوم وكانت أكثر قدرة على تجنب الصدامات مع الأنظمة في بلدانها، ولم تعلن جهرا استهدافها تلك الأنظمة، بل رضيت العمل في ظلها، الأمر الذي فسح المجال أمامها لممارسة عملها بأريحية كبيرة، كما حدث في المغرب وتونس.

أما الجماعة في دول المشرق فقد استهدفت بوضوح الأنظمة في كثير من الدول وسعت إلى الوصول إلى الحكم من أعلى الهرم كما حدث في مصر وسوريا، الأمر الذي جعل الأنظمة في هذه الدول تتعامل مع الجماعة كعدو يجب القضاء عليه، وقد أخطأ الإخوان بطريقة تفكيرهم هذه وتحديد هدفهم، رغم أن الفكرة الأساسية عندهم كانت الإصلاح يبدأ من القاعدة ثم يصعد إلى الهرم، ولكن شهوة السلطة جعلتهم يعاكسون هذه الفكرة، وكان ما يمسى “بالربيع العربي” فرصة للإخوان للعمل سواء باسمهم الصريح أو تحت مسميات عديدة للسعي من أجل الوصول إلى الحكم في أعلى الهرم. لقد نجحوا في مصر ولو مؤقتا في تحقيق هذا الهدف، إلا أن هذا النجاح كان وباء عليهم، إذ لم يستطيعوا الحفاظ عليه، نتيجة توجههم إلى السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم وإقصاء الآخرين، وسيطرة فكرة أخونة الدولة على قيادتهم، الأمر الذي أعطى خصومهم السياسيين فرصة ذهبية لمهاجمتهم، واستنفار الناس ضدهم، خصوصا أن حكم الإخوان لم يوفر للناس الحد الأدنى من العيش الكريم، فكانت النتيجة ما رأيناه؛ حيث فشلت التجربة فشلا ذريعا، غير أن الجماعة لم تسلم بهذا الفشل، بل اصطدمت مع الجميع، الأمر الذي حولها إلى عدو يجب الخلاص منه عند أغلبية المصريين.

التجربة جعلت الإخوان متهمون بأنهم لا يتقنون فن الحكم، وهذا ما أثبته الواقع نتيجة تمسكهم بالأنانية السياسية، واستعداء كل من هو ليس معهم، والعمل على إقصائه واعتبار أنفسهم منزهين عن الخطأ، وأنهم وحدهم يملكون الحقيقة وهم وحدهم يكفلون مصلحة الناس، وكان هذا الاعتقاد وتسويقه عند الناس سببا في جعل التوقعات عند الجماهير أعلى بكثير من قدرات الإخوان، الأمر الذي دفع بهذه الجماهير إلى عدم تحمل أي خطأ من الإخوان، وهذا كان خطأ فادح للإخوان أنفسهم.

وبالعودة إلى الإخوان في المغرب، فقد كانوا أكثر ذكاء في التعامل مع الواقع الجديد الذي أنتجه “الربيع العربي”، وكان سببا في تمدد الحركات الإسلامية، ورضوا أن يكونوا في الصف الثاني من الحكم كمجلس النواب والحكومة كما حدث في المغرب وتونس رغم أخطائهم في تونس، وتميزوا عن الإخوان في المشرق بأنهم يتقنون فن الانحناء إلى العواصف ويتقبلون الهزيمة ويعملون على تصحيح الخطأ بطرق سياسية ، كما حدث في المغرب في الأيام الماضية، حيث تعرضوا إلى هزيمة قاسية في الانتخابات الأخيرة، وبادروا فورا إلى دراسة الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة القاسية، واتخذوا إجراءات سريعة على رأسها قيادة الحركة بالكامل ولم يتهموا أحدا بتزوير الانتخابات ولم يمارسوا دور الضحية، وقبلوا بالأمر الواقع.

في تونس، استطاعت حركة النهضة الإسلامية أن تتعامل مع الظروف المستجدة في البلاد بنوع من السلوك السياسي المقبول لتتجنب الصدام مع ولو كان بالحد الأدنى، والحقيقة أن هذا الأسلوب غاب تماما عن الإخوان في المشرق الذين لا يقبلون الهزيمة أبدا ويعتبرون أنفسهم ضحايا ويتهمون الأطراف المقابلة بالتزوير ضدهم ومحاولة إقصائهم. وحتى الآن، لم ينتبهوا إلى أن هذا الأسلوب في التعامل مع الواقع الجديد لم يعد ينفعهم ولم يعد يقنع أحدا ولا حتى شرائح كبيرة من أنصارهم.

الإخوان المسلمون يجب أن يقتنعوا بأن ظروف الشارع العربي قد تغيرت، وأن تفكير الناس لم يعد كما في السابق، وأصبحوا مقتنعين بأن الحل يكمن في تسلم الإخوان مقاليد الأمور، وبأن الإخوان غير منزهين عن الخطأ، وتبين للناس أنهم لا يتقنون فن الحكم والسياسة، وإن كانوا يتقنون فن الفكر والتنظير، كما تبين للشارع العربي أن هؤلاء يعانون من نفس أمراض الحركات السياسية الأخرى من أمراض الخلاف والتنافس على المكتسبات، وأنهم ليسوا ملائكة وليسوا صحابة، لذلك يجب أن تنطبق عليهم كما على غيرهم شروط اللعبة السياسية ومحاسبتهم كما يحاسب غيرهم.

على الجماعة التي تعمل تحت عناوين سياسية مختلفة في بلدان متعددة أن تدرك تماما أن مدها في الشارع العربي قد تراجع كثيرا، وعليها أن تعيد النظر في طريقة تعاملها مع الظروف الجديدة، وقبول الآخر والنزول من البرج العاجي الذي صعدت إليه باعتبار نفسها متميزة عن الآخرين، ويجب أن تقتنع قياداتها أنه في الطرف الآخر أناس يعملون في السياسية صادقين ونزيهين وأهدافهم صادقة في خدمة الناس وقضاياهم وهم في كثير من الأحيان يتفوقون بكثير على الإخوان كحركة سياسي.

Exit mobile version