مغامرة نجيب ميقاتي… وكلام قاسم سليماني

 

خيرالله خيرالله – أساس ميديا

طبيعي أن تتشكّل أخيراً الحكومة اللبنانيّة بالطريقة التي تشكّلت بها، أي أن تكون فيها أكثريّة واضحة وفاقعة لـ”حزب الله”. بين الوزراء المحسوبين على الحزب، وزراء تابعون مباشرة للنظام السوري. هؤلاء وزراء من سقط المتاع السياسي. يشير وجود هؤلاء في الحكومة إلى مدى سيطرة إيران على النظام السوري الذي باتت توفّر له بين وقت وآخر فتاتاً يسمح له بالتباهي بتحقيق اختراقات لبنانيّة. لا تنطلي هذه الاختراقات إلّا على السذّج من “العونيّين” وما شابههم من نماذج بشريّة مختصّة باستخدام “الحفّاضات” أو تربية الفرّي، نماذج لا تجيد أكثر من لعب دور الأداة عند الأدوات الإيرانية.

يعكس تشكيل الحكومة، بين ما يعكس، توازناً في مجلس النوّاب كان أفضل مَن عبّر عنه قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني الذي اغتاله الأميركيون مطلع عام 2020 بُعَيد مغادرته مطار بغداد.

كان قاسم سليماني صادقاً وصريحاً إلى أبعد حدود عندما حدّد مواصفاته للبنان وطبيعة التوازنات فيه في مرحلة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا. صرّح، بعد أيّام قليلة من إجراء الانتخابات النيابية في أيّار 2018، بأنّ إيران باتت تمتلك أكثرية في البرلمان اللبناني.

وضع قائد “فيلق القدس” وقتذاك الانتخابات النيابية، التي أُجرِيت استناداً إلى قانون على قياس “حزب الله”، في سياق الانتصارات التي يحقّقها المشروع التوسّعي الإيراني عربيّاً. لم يكن ينقص سليماني سوى القول إنّ بيروت باتت مدينة إيرانية على البحر المتوسّط، خصوصاً بعدما أصبح “حزب الله” يقرّر مَن هو رئيس الجمهوريّة المسيحي.

برعايتها تشكيل حكومة لبنانية، تعاطت فرنسا مع الواقع اللبناني ومع موازين القوى على الأرض في ضوء مصالح خاصّة بها تتجاوز لبنان. لعلّ نجيب ميقاتي من بين الأشخاص الذين أكثر ما يعرفون فرنسا في أيّامنا هذه. ليست الحكومة اللبنانية التي تشكّلت سوى تتمّة منطقيّة لانتخاب ميشال عون، مرشّح “حزب الله”، رئيساً للجمهورية، ولانتخابات 2018. كان ساذجاً إلى أبعد حدود كلّ مَن اعتقد أنّ ميشال عون سيلعب دور بيضة القبّان عندما يصبح في قصر بعبدا.

مع تشكيل الحكومة بالطريقة التي تشكّلت بها، والتي لا علاقة لها بما طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البداية، يدخل لبنان مرحلة المصير المجهول. لم يعُد الكلام عن الطائف والدفاع عنه وعن دستوره ينفع. انتقل لبنان إلى مرحلة بات فيها مطروحاً السؤال التالي: هل هو بلد قابل للحياة أم لا؟

أكثر من طبيعي ومشروع طرح مثل هذا السؤال المتعلّق بمستقبل لبنان في ضوء وجود رئيس للجمهوريّة أصرّ على تشكيل حكومة يعتقد أنّها ستلعب دوراً في إيصال صهره جبران باسيل إلى قصر بعبدا سنة 2022. أكثر من ذلك، يظنّ ميشال عون وجبران باسيل أنّ في الحكومة مَن يمتلك اتصالات وعلاقات في واشنطن تسمح بفتح الطريق أمام رفع العقوبات الأميركيّة عن الصهر الذي يؤمن في قرارة نفسه أنّه سيكون مرشّح الطرف الإقليمي المنتصر في المنطقة… أي “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة.

في ظلّ الظروف القائمة، هل كان من الأفضل أن يعتذر نجيب ميقاتي أم أن يستجيب لِما تطلبه فرنسا ويسمح لـ”حزب الله” بتشكيل حكومة لا يمتلك فيها، عمليّاً، سوى فريق عمل صغير ومحدود؟

الأكيد أنّ وزير الاقتصاد، حتّى، ليس من ضمن فريق العمل هذا في ضوء مؤهّلاته دون المتواضعة…

اختار نجيب ميقاتي خوض المغامرة. ما يمكن أن يخدمه أنّ أيّ تحسّن في الوضع المعيشي وظروف الحياة اليوميّة يمكن أن يجد تجاوباً عند المواطن العادي الذي فقد كلّ شيء بفضل “العهد القويّ”. فَقَد اللبناني، بين ما فقد، جنى العمر في المصارف وعملته الوطنيّة. فَقَد الكهرباء والماء والبنزين والمازوت والمستشفى والدواء والقدرة على توفير مستقبل أفضل لأبنائه…

من الصعب أن يكون هناك تجاوب عربيّ يُذكَر مع حكومة مثل الحكومة التي تشكّلت بجهود فرنسيّة ومباركة إيرانية. لم تتوفّر هذه المباركة إلّا بعد التأكّد من أنّ الثنائي عون – باسيل سيشعر بأنّه هزم أهل السنّة في لبنان بفرض شروطه على رئيس الوزراء المكلّف.

ما الذي يستطيع نجيب ميقاتي عمله في ظلّ موازين القوى التي سبق لقاسم سليماني أن حدّدها؟ هل يكفي أنّ “حزب الله” في حاجة إلى تسهيل مهمّة ميقاتي بسبب مشاكل الحزب مع بيئته التي جلب لها كلّ أنواع الكوارث، تماماً كما فعل مع بقيّة اللبنانيين؟ هل يكفي أن يكون لديه وزيران لا غبار عليهما مثل الدكتور فراس الأبيض وناصر ياسين وربّما ثلاثة أو أربعة مثلهما؟

ستبقى لدى نجيب ميقاتي مشكلة كبيرة تكمن في شخصه. تكمن هذه المشكلة في أنّ الفارق بينه وبين أيّ وزير آخر في الحكومة، أقلّه في مجال معرفة العالم والخبرة السياسيّة والاقتصاديّة، هو فارق بين السماء والأرض… خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار كمّية العلاقات التي يمتلكها في كلّ أنحاء العالم، ومن بينها الولايات المتّحدة، وخبرته الطويلة في التعاطي مع مسؤولين في دول المنطقة، مثل سوريا نفسها ودول الخليج العربي والأردن ومصر، إضافة إلى إيران…

قد يكتشف نجيب ميقاتي أنّ ثمّة حاجة إليه كي يؤكّد “حزب الله” أنّه ليس المسؤول عن الخراب والدمار والبؤس. ويمكن أن يستفيد من أنّ ميشال عون وجبران باسيل انتقما ما فيه الكفاية من رفيق وسعد الحريري، ومن بيروت بكلّ ما تمثّله حضارياً، ومن كلّ نجاح تحقّق في لبنان منذ إخراج قائد الجيش الأسبق من قصر بعبدا في 13 تشرين الأوّل 1990 من دون أن يسأل عن مصير جنوده الذين تركهم في ساحة القتال. تخلّى “القائد” عن جنوده، وتركهم تحت رحمة النظام السوري الذي يطمح حالياً إلى أن يكون في رعايته لعلّ إيران ترضى وتوصل صهره إلى قصر بعبدا…

 

Exit mobile version