} حسن حردان-البناء
أرادت واشنطن ان تشكل هجمات 11 أيلول التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك ومقر البنتاغون في واشنطن، محطة لانطلاق مشروع المحافظين الجدد في السيطرة على العالم، وحسم تسيّد أميركا على الاقتصاد الدولي ومصادر الطاقة وبالتالي القرار الدولي، وخنق الدول التي تتحدى الهيمنة الأميركية وتسعى إلى هدمها…
ولهذا سارعت إدارة جورج بوش الابن إلى إعلان الحرب على أفغانستان فور حصول هجمات 11 أيلول مستفيدة من مناخ الرأي العام والتعاطف الدولي مع الولايات المتحدة.. وفي نفس الوقت بدأت تحضر الرأي العام لغزو العراق تحت عنوانه انه يشكل تهديدا للعالم بزعم انه بملك أسلحة دمار شامل…
لكن لا الحرب على أفغانستان ولا غزو العراق كانا يستهدفان محاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، لسببين:
السبب الأول، لأنّ الإرهاب صناعة أميركية وتنظيم القاعدة منذ نشأته، تربى، وترعرع وتدرّب على أيدي الاستخبارات الأميركية وجرى تمويله وتسليحه من قبل الأنظمة التابعة لواشنطن لأجل تجنيد الشباب لشنّ حرب استنزاف ضد القوات الروسية في أفغانستان.. وعندما تمّ إجبار الاتحاد السوفياتي على الانسحاب، عمدت واشنطن في عهد المحافظين الجدد إلى استخدام هجمات القاعدة على برجي التجارة العالمي، والتي كانت الاستخبارات الأميركية تعلم بها قبل حصولها ولم تفعل شيئاً لمنعها، استخدمتها غطاء للبدء بتنفيذ مخططها الامبراطوري القاضي بشن الحروب الاستعمارية لفرض سيطرتها على موارد الطاقة واحتياطاتها الضخمة في آسيا الوسطى وبحر قزوين، وطرق إمدادها بهدف التحكم بعصب الاقتصاد العالمي واخضاع العالم لهيمنتها من دون منازع…
السبب الثاني، لأنّ العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل باعتراف الرئيس جورج بوش نفسه عام 2006, اي بعد احتلال العراق بثلاث سنوات، وأيضا باعتراف وزير خارجيته الذي أقرّ بأنّ ما تحدث به أمام الأمم المتحدة عن وجود هذه الأسلحة كان مجرد كذب مقدّماً اعتذاره.. لكن الاعتراف المتأخر لم يكن سوى مسرحية للتستر على الهدف الحقيقي ألا وهو السيطرة على احتياطات العراق الضخمة من النفط بعد أن اكدت الاكتشافات وجود كميات كبيرة من النفط في باطن الأراضي العراقية.. تشكل أكبر احتياط في المنطقة.
لكن بعد عشرين عاماً وفي ذكرى 11 أيلول، اقرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالهزيمة وبفشل هذه الأهداف الإمبراطورية الأميركية، والانسحاب على شكل هروب موصوف من أفغانستان، والتسليم بالعجز عن الاستمرار في حرب هي الأطول وذات كلفة عالية تجاوزت تريليوني دولار، في حين ان حرب العراق التي كلفت عدة تريليونات من الدولارات كانت كفيلة بإجبار واشنطن على الرحيل بوقت أبكر، اي عام 2011 قبل محاولة العودة بثوب محاربة إرهاب داعش الذي صنعته لهذه الغاية، في محاولة يائسة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بين أعوام 2003, و2011..
وهكذا بدلا من أن تشكل هاتان الحربان محطة لتحقيق حلم المحافظين الجدد في بسط هيمنة الإمبراطورية الأميركية على العالم كله واخضاع الدول، الخارجة على سيطرتها، لمشيئتها، تحولت هاتان الحربان إلى محطة تدشن بدء مسار انهيار للامبراطورية الأميركية، وسقوط سعيها لفرض هيمنتها الأحادية على العالم تحت غطاء محاربة الارهاب المصنع في مختبرات أجهزة الاستخبارات الأميركية..
ولأن هذه هي النتيجة التي تمخضت عنها حروب أميركا المباشرة، كان لا بد أيضا ان تصل حروب أميركا غير المباشرة، الإرهابية منها والاقتصادية، الى ذات النتيجة من الفشل والإخفاق.
ولهذا كان لا بدّ أن تبدأ مرحلة تداعيات هذا الفشل لحروب أميركا.. مرحلة تتسم بانكسار الهيمنة، وتراجع سطوة وهيبة وقوة الإمبراطورية الأميركية، واضطرارها إلى اتخاذ خطوات تتكيّف فيها مع حجم قدراتها وإمكانياتها التي لم تعد تسمح لها في مواصلة سياسات شن الحروب، والانتشار العسكري الواسع لأنها باتت تزيد من نزف جراحها.. لذلك بدأنا نشهد بعد الانسحاب من أفغانستان، تقليص للوجود العسكري الأميركي في السعودية عبر سحب منظومات دفاعها الجوي وبطاريات صواريخ باتريوت الأكثر تطوراً، رغم ان السعودية تواجه هجمات صاروخية وبوساطة الطائرات المسيرة، من قبل المقاومة اليمنية، تلحق خسائر فادحة بمنشآتها النفطية ومطاراتها..
وفي نفس الوقت بدأ الحديث في واشنطن عن ضرورة التمهيد للانسحاب من العراق وسورية عبر إيجاد الترتيبات والمخارج السياسية بالاتفاق مع روسيا، والتي تترافق مع البدء بتخفيف الحصار الاقتصادي عن كل من سورية ولبنان وإيران، والتلهف لعودة المفاوضات مع إيران لإحياء العمل بالاتفاق النووي.. الأمر الذي يعكس التحول في موازين القوى لمصلحة محور المقاومة، والذي تجسد اخيرا بقرار المقاومة كسر الحصار الأميركي المفروض على البلدان الثلاث المذكورة انفا، وبدء وصول مواد المشتقات المستوردة من إيران إلى لبنان..
انه زمن تراجع وانحدار الإمبراطورية الأميركية، وتقدم وصعود دول وقوى المقاومة في المنطقة، ونجاح روسيا والصين وحلفائهما في شق وتعبيد الطريق نحو نظام عالمي جديد يقوم على التعددية الدولية والإقليمية..
وفي هذا المسار لن يكون توازن القوى لمصلحة قوى الاستعمار والاحتلال، بل لمصلحة قوى المقاومة والتحرر والاستقلال الوطني في المنطقة والعالم، وفي مقدمها قوى المقاومة ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني الذي سيكون اول المتضررين من تراجع وانحدار قوة الإمبراطورية الأميركية، لأنه يستمد قوته وغطرسته وعدوانيته منها.. باعتباره صناعة استعمارية زرع في قلب فلسطين المحتلة لخدمة المصالح الغربية لمواصلة نهب ثروات المنطقة…