غادة حلاوي-نداء الوطن
الى الملفات الداخلية الساخنة لن يكون الوضع على الحدود الشمالية للبنان مع فلسطين المحتلة بعيداً عن حيز اهتمامات الحكومة الجديدة، التي ستجد نفسها امام استحقاقين مهمين يتعلق الاول بملف المفاوضات والربط بين ترسيم الحدود البحرية بالبرية، ورغبة “اليونيفيل” مجدداً بتركيب كاميرات مراقبة على الخط الازرق باتجاه القوى القريبة، وهو ما استشف منه المراقبون امكانية العمل باتجاه تعديل عمل قوات الطوارئ العاملة في الجنوب تحت حجة حماية أمن جنودها.
وتؤكد المعلومات ان البيان الوزاري المرتقب صدوره في غضون الايام القليلة المقبلة سوف يتضمن حكماً اشارة الى موضوع ترسيم حدود لبنان البحرية، بما يعني الانطلاق مجدداً في ظل الحكومة الجديدة في عملية ترسيم الحدود مع اسرائيل، وهذه مسألة كانت شهدت في الفترة الاخيرة لغطاً واسعاً انتهى بامتناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن توقيع تعديل مرسوم، يزيد من حصة لبنان في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل، كان احدث انقساماً واسعاً بين متحمس لاقراره ومتحفظ الى حد الرفض، ما يعني العودة الى مفترق يحاول عون تثبيته اي 860 كيلومتراً مربعاً للتفاوض على اساسها.
واذا كانت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل أُرجئت في آذار الماضي إلى أجل غير محدد بسبب شروط مسبقة لإسرائيل، فان موضوع الترسيم استمر قيد المتابعة اسرائيلياً ومن قبل قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان والتي مددت مهامها عاماً إضافياً مؤخراً حتى 31 آب 2022، بوصفها المعنية بترسيم الحدود البحرية، وقد لمس مطلعون على الملف كأن هناك مسعى ضمنياً لإعادة ربط ترسيم الحدود البحرية بالحدود البرية. وبحسب المعلومات فان اكثر من عبّر عن ذلك هو قائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان اللواء ستيفانو ديل كول، الذي تمّ التمديد لولايته مدة خمسة اشهر اضافية، بعدما انطلقت معركة خلافته بقوة بين الدول المساهمة في عداد قوات حفظ السلام ويبدو ان الاسبان هم اكثر المهتمين للامر.
وخلال لقائه كبار المسؤولين في الدولة لمّح اللواء ديل كول الى ربط الحدود البحرية بالحدود البرية، ويتزامن ذلك مع مطلب قديم جددت “اليونيفيل” العاملة في لبنان المطالبة بتطبيقه وهو تركيب كاميرات في بعض مواقعها القريبة من الخط الأزرق سيتم توجيهها إلى الجنوب، التي سبق وان رفض الجيش اللبناني و”حزب الله” تركيبها واعتبرها اهالي القرى القريبة من الخط الازرق تعدياً على خصوصيتهم. ويستند هذا المطلب الى الاعتداءات الاخيرة التي تعرض لها جنود “اليونيفيل” في احدى القرى الجنوبية والتي كانت سبباً في مطالبة “اليونيفيل” بتعديل طبيعة تحركها وضمان أمن جنودها. وكان سبق لهذا الطلب أن أثير في مؤتمر نيويورك الاخير الذي لم يحضره لبنان، وطالبت خلاله اسرائيل بوضوح بضرورة وضع كاميرات المراقبة على الحدود مع لبنان. وتبرر “اليونيفيل” مطلبها بأن التكنولوجيا الحديثة باتت جزءاً لا يتجزأ من أمن قوات الطوارئ، اي انها تربط الكاميرات بأمن جنود قوات حفظ السلام. وعبَّر قائدهم للمسؤولين عن استياء كبير لما تعرّض له الجنود من تعدٍّ على أيدي مواطنين، والذي يشكل سابقة غير مطمئنة قد تشكل مدخلاً لبحث وضعية جنود قوات الطوارئ وضمان امنهم ونطاق مهامهم، وهو ما ترجوه اسرائيل حفاظاً على أمنها.
لنكون بذلك امام اشارتين مهمتين تتعلقان بالوضع في جنوب لبنان، هما عودة الحديث عن تركيب الكاميرات وربطها بعمل الطوارئ وسلامة الجنود فيما هو مطلب اسرائيلي مبطن، وإلزامية تلازم ترسيم الحدود البحرية بالحدود البرية. فهل هناك من يسعى عشية المتغيرات الاقليمية الكبرى الى طرح اسس جديدة للتفاوض بما يخدم مصلحة اسرائيل؟ خصوصاً وان هذه المتغيرات تضمنت اشارات كثيرة وفي اتجاهات متعددة كان آخرها القمة السورية الروسية التي عقدت في موسكو، وما انبثق عنها من معلومات تشير الى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ابلغ الرئيس السوري بشار الاسد، ان الاميركيين سينسحبون من سوريا بأسرع مما تتوقعون ليشكل هذا الحدث ساعة حصوله نقطة تحول مفصلية لها دلالاتها في المنطقة.
هذا فضلاً عن تطورات الوضع الاقليمي والتلاقي العربي المتشعب، والمسعى العراقي للتقريب بين السعودية وايران، فضلاً عن خطوة مصر بمد لبنان بالغاز عبر خطي الاردن وسوريا، ما يشكل تعاوناً عربياً لن تكون اسرائيل متحمسة لحصوله حكماً، وهي ستكون اكثر من اي وقت في حاجة الى ضمانات لمصالحها وامنها على الحدود الشمالية.
تزامناً مع تشكيل حكومة كان الخارج المساهم الاساسي باعلانها ومباركتها لاحقاً، وعملية خلط الاوراق التي نشهدها من سوريا التي عادت الى الحضن العربي، الى السعودية وترتيب علاقتها مع ايران المرتاحة الى وضع مفاوضاتها النووية مع اميركا، كلها تطورات تؤكد مصادر واسعة الاطلاع انها ستصب في صالح لبنان، الذي لم يعد على مسار التدمير الذي كانت ترسمه له اسرائيل وربما تأتينا اشارات نحو مستقبل اكثر استقراراً. فهل يدخل الترسيم ضمن الحلحلة الاقليمية؟ وأي دور لقوات “اليونيفيل” في المرحلة المقبلة في ضوء ربط قائدها أمن الجنود بتركيب الكاميرات؟