حكومة ميقاتي أمام محرقة قاتلة… هذه “وقودها”!

محطات أقفلت أبوابها بعد نفاد البنزين (رمزي الحاج)

كلير شكر-نداء الوطن

بعد ساعات من ولادة حكومة نجيب ميقاتي، سارع الأخير إلى الإعلان عن تواصله مع الكويت لإعادة إحياء قرض خطة الكهرباء. هو قرض الصندوق الكويتي للتنمية الذي دأب النائب نقولا نحّاس، ومنذ سنوات، على اتهام رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل بعرقلته، نظراً لشروطه الرقابية.

ماذا تعني إشارة ميقاتي؟ تعني أنّ الرجل قرر التصرف في هذه الحكومة على أنّه المايسترو الخارجي لها، والمفاوض الوحيد مع الصناديق والهيئات الدولية، وبأنّه سينخرط في كلّ ملفات حكومته بالعمق، وأهمها الكهرباء، وبأنّ الوزراء الجالسين قبالته، قد يكونون مجرّد أدوات تنفيذية ولن يتركهم يسرحون ويمرحون في مشاريعهم، لكونه “ناظر” هذه الحكومة، والمؤتمن على مهامها، برعاية دولية، فرنسية بالتحديد، أودعته خريطة طريق عملها، مرفقة بجدول آليات التنفيذ، وأول شروطها شفافية المناقصات والعقود والالتزامات.

في الواقع، قرر ميقاتي ترؤس حكومة قد تكون الأكثر كرهاً من جانب اللبنانيين. مهما حاولت ترقيع الوضع، وهذا أقصى طموحها، فلن يكون بمقدورها تحقيق الكثير من الانجازات لكونها مطوّقة بحقل ألغام، قد ينفجر بعضها في أي لحظة وعند أي مفترق. ومع ذلك، تظهر سيرته المهنية كرجل أعمال ناجح، بأنّه ليس من هواة الاستسلام أمام الخسائر بسهولة. ما يعني أنّ اصراره على النجاح، ولو بالحدّ الأدنى، سيساعد حكومته على وقف الانهيار ولجمه، وهي المهمة المرسومة بعناية من جانب المجتمع الدولي. لا أحد يريد من الحكومة أن تقوم بأكثر من ذلك.

فضلاً عن ذلك، فإنّ هذه الحكومة ستكون أمام تحدي اجراء الانتخابات النيابية التي أصرّ ميقاتي على ضمان عدم ممانعة أي من شركائه في خوضه الاستحقاق. وبالتالي هو ملزم بإنجاز شيء ما لتسويقه في شارعه، وإلا فإنّ محرقة قاتلة ستنتظره فوق صناديق الاقتراع.

بالتفصيل يتبيّن أنّ هذه الحكومة تواجه الكثير من التحديات والعقبات التي تكاد تكون قاتلة من شأنها أن تدمّرها اذا أخفقت في إدارتها، خصوصاً في ضوء التجارب الخلافية التي قد تحول دون تفاهم مكوناتها على خطط علاجية أو انقاذية. أمّا أبرز تلك التحديات فتتمثل بالآتي:

– رفع الدعم نهائياً، وقد أمهِلت الحكومة الجديدة حتى نهاية أيلول الحالي كي تواجه أولى معموديات نارها التي قد تشعل البركان الشعبي، اذا لم يسعفها الدولار بشيء من الانخفاض الذي من شأنه أن يحسّن القدرة الشرائية، وتخلي كبار التجار عن بعض من جشعهم، خصوصاً وأنّ تسونامي رفع الدعم قد يطيح بكل شيء، بدءاً بربطة الخبز وصولاً إلى العام الدراسي. فيما يبدو أنّ البطاقة التمويلية التي كانت تعمل حكومة حسان دياب على وضعها موضع التنفيذ بداية الشهر المقبل، تواجه عراقيل تقنية بسبب منصة IMPACT غير الموثوقة أمنياً، ما قد يستدعي بعض الوقت لمعالجة هذا الخلل، مع العلم أنّ التمويل صار جاهزاً، ولكن بالليرة اللبنانية.

– التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى حمليْن ثقيلين أزيحا عن ظهر الحكومة الجديدة، وهما تحرير سعر الصرف ورفع الدعم، وهما شرطان أساسيان لصندوق النقد، لكن يبقى السؤال وفق أي خطة اقتصادية ستفاوض الحكومة؟ فخطة التعافي التي وضعتها الحكومة السابقة مرفوضة من جانب مصرف لبنان والمصارف، فيما الفريق العوني منقسم حيالها وهي تحتاج أصلاً إلى تحديث وتعديل يواكبان التطورات، مع العلم أن صندوق النقد مقتنع بالارقام التي أوردتها على عكس رأيه بأرقام مصرف لبنان، واذا قررت الحكومة وضع خطة جديدة فقد تحتاج إلى الوقت ناهيك عن التركيبة السوريالية للحكومة التي قد تحوّلها إلى حلبة مصارعة بالمواربة، اذا تبيّن أنّ هناك خلافاً حول كيفية توزيع خسائر الدولة، وهو الأمر المرجّح.

– كيفية مواجهة ارتفاع سعر الدولار، وكيفية التعامل مع تعددية أسعاره، بين السعر الرسمي، سعر المصارف الخاصة (3900)، سعر منصة “صيرفة” التي يجهل اللبنانيون من هي الجهات التي تستفيد من دولاراتها على نحو يوميّ، وسعر السوق الموازية، خصوصاً وأنّ الحكومة السابقة كانت بصدد رفع السعر الرسمي، بكل ما تحمل هذه الخطوة من تداعيات سلبية كبيرة، سواء على الديون المدولرة المستحقة للمصارف، الايجارات المدولرة، الدولار الجمركي ما يعني ارتفاع أسعار كل المواد المستوردة…

– ملف الكهرباء، نظراً للتجارب السابقة التي جعلت من هذا الملف موضع خلاف جذري بين “التيار الوطني الحر” وبقية القوى السياسية متهماً الآخرين بتعطيل خططه، ومع ذلك قرر العودة إلى الحقيبة – المحرقة رغم شكواه واعترافه بالفشل ولو أنّه يرمي تهمة افشاله على بقية شركائه. ما يعني أنّ تكرار مشهدية الخلافات حول كيفية معالجة هذا القطاع غير مستبعد أبداً اذا ما أصرّ “التيار” مثلاً على بناء معمل سلعاتا! كما أنّ اشكالية هذا الملف تكمن في ثلاث نقاط: الأولى، امتناع القطاع الخاص العالمي عن الدخول في شراكة أو استثمار في هذا القطاع اذا لم يضع صندوق النقد خريطة طريق تعيد الثقة إلى لبنان. الثانية، كيفية تأمين الفيول والدولارات لشرائها، أقله في المرحلة الاولى. والثالثة، رفع التعرفة.

Exit mobile version