الأخبار- رجب المدهون
على مدار سنوات سبقت توقيع «اتفاق أوسلو»، سعت شخصيات فلسطينية وأخرى عربية في إقناع قيادة «منظّمة التحرير»، ورئيسها الراحل ياسر عرفات، بالذهاب نحو حلّ مرحلي، وإنهاء الكفاح المسلّح ضدّ دولة الاحتلال، مقابل إقامة دولة فلسطينية على عدّة مراحل، أولاها إقامة سلطة تؤسّس لهذه الدولة، ومن ثمّ الوصول إلى حلّ نهائي للقضية الفلسطينية. في عام 1988، أعلن عرفات من الجزائر ولادة الدولة الفلسطينية على الورق، على أمل أن يتحقّق ذلك على الأرض، وفق شروط دولية مسبقة أعلنها «أبو عمار» يومها، من بينها الإقرار بشرعية دولة الاحتلال ووجودها، والتخلّي عن خيار الكفاح المسلّح ونبذ العنف، وهو ما تمّ الالتزام به عملياً، فيما تَحقّق لـ«منظّمة التحرير» اعتراف غالبية دول العالم بالدولة الاسمية الفلسطينية، وفتْح سفارات لها في العديد من العواصم. وبالفعل، انتقلت قيادة المنظّمة إلى داخل الأراضي المحتلة، وبدأت في تشكيل جسم مصغّر عن الدولة، لكنه مفتقد إلى جميع مقوّماتها، إذ كان الارتباط بالاحتلال مرتكزه الأساس في الجوانب كافة.
سريعاً، بدأ الجانب الإسرائيلي في المماطلة، رافضاً استكمال مسار المفاوضات، وهو ما عقّد الخيارات أمام الفلسطينيين الذين شعروا بأنهم تعرّضوا لخديعة كبيرة، دفعتهم إلى تفجير انتفاضة الأقصى عام 2000. وفي الوقت نفسه، أعفت دولة الاحتلال نفسها من المهامّ الاقتصادية والإنسانية تجاه الفلسطينيين، الأمر الذي وضع السلطة أمام خيار وحيد هو السعي إلى المحافظة على وجودها. وفي هذا الإطار، يقول شمعون بيريز، وزير الخارجية الإسرائيلي حينها: «الفلسطينيون سيعجزون عن خلق آليات ومواقف تخرجهم من هذا الاتفاق اقتصادياً وأمنياً وثقافياً، بل إن هذا الاتفاق منَح إسرائيل التصرّف في أراضٍ تمثّل 60% من مساحة الضفة، وأوجد سلطة ترى في الحفاظ على بنوده استمراراً لوجودها». وترجمةً لكلام بيريز، انعتق الإسرائيليون من التزاماتهم كافة، فقبل «أوسلو» كانت دولة الاحتلال تمنح الفلسطينيين فرصاً للعمل، وتؤمّن مستلزمات حياتهم كسجناء في سجن كبير، أمّا بعد إيجاد السلطة فلم يَعُد هناك سجن من مسؤولية تل أبيب، بل أصبح الحديث حول أراضٍ متنازع عليها، وعن حق الشعب الفلسطيني في تنظيم انتخابات بلدية وتشريعية، فيما تولّت السلطة ضبط الأمن نيابةً عن دولة الاحتلال، إضافة إلى إدارة الخدمات وشؤون الحياة اليومية.
ومع استمرار الخديعة التي تعرّضت لها «منظّمة التحرير»، استلهمت قيادة المنظّمة تجربة كوسوفو في الاستقلال عن صربيا عام 1988، من دون أن تنجح في خطوتها، إذ إن الكوسوفيين امتلكوا أولاً الاقتصاد والأمن، ومن ثمّ أعلنوا دولتهم على رغم معارضة الصرب لها وعدم اعتراف عشرات الدول بها، بينما الاحتلال الإسرائيلي منع الفلسطينيين من الاستحواذ على أيّ من تلك المرتكزات (وحدة الأرض، الاستقلال الاقتصادي والاستقلال الأمني). وبعد 27 عاماً من «اتفاق أوسلو»، لم تولد أيّ ملامح للدولة الفلسطينية التي كانت موعودة إقامتها في أيار من عام 2000 بعد الانتهاء من الاتفاق على قضايا الحلّ المرحلي، ليتوصّل معظم الفلسطينيين إلى قناعة بعد انتفاضة الأقصى بأن إقامة دولة مستقلّة لا يمكن أن تتحقّق إلا بعد امتلاك أدوات القوّة لإرغام الاحتلال على الانسحاب من أراضيهم.
سريعاً، بدأ الجانب الإسرائيلي في المماطلة، رافضاً استكمال مسار المفاوضات، وهو ما عقّد الخيارات أمام الفلسطينيين الذين شعروا بأنهم تعرّضوا لخديعة كبيرة، دفعتهم إلى تفجير انتفاضة الأقصى عام 2000. وفي الوقت نفسه، أعفت دولة الاحتلال نفسها من المهامّ الاقتصادية والإنسانية تجاه الفلسطينيين، الأمر الذي وضع السلطة أمام خيار وحيد هو السعي إلى المحافظة على وجودها. وفي هذا الإطار، يقول شمعون بيريز، وزير الخارجية الإسرائيلي حينها: «الفلسطينيون سيعجزون عن خلق آليات ومواقف تخرجهم من هذا الاتفاق اقتصادياً وأمنياً وثقافياً، بل إن هذا الاتفاق منَح إسرائيل التصرّف في أراضٍ تمثّل 60% من مساحة الضفة، وأوجد سلطة ترى في الحفاظ على بنوده استمراراً لوجودها». وترجمةً لكلام بيريز، انعتق الإسرائيليون من التزاماتهم كافة، فقبل «أوسلو» كانت دولة الاحتلال تمنح الفلسطينيين فرصاً للعمل، وتؤمّن مستلزمات حياتهم كسجناء في سجن كبير، أمّا بعد إيجاد السلطة فلم يَعُد هناك سجن من مسؤولية تل أبيب، بل أصبح الحديث حول أراضٍ متنازع عليها، وعن حق الشعب الفلسطيني في تنظيم انتخابات بلدية وتشريعية، فيما تولّت السلطة ضبط الأمن نيابةً عن دولة الاحتلال، إضافة إلى إدارة الخدمات وشؤون الحياة اليومية.
ومع استمرار الخديعة التي تعرّضت لها «منظّمة التحرير»، استلهمت قيادة المنظّمة تجربة كوسوفو في الاستقلال عن صربيا عام 1988، من دون أن تنجح في خطوتها، إذ إن الكوسوفيين امتلكوا أولاً الاقتصاد والأمن، ومن ثمّ أعلنوا دولتهم على رغم معارضة الصرب لها وعدم اعتراف عشرات الدول بها، بينما الاحتلال الإسرائيلي منع الفلسطينيين من الاستحواذ على أيّ من تلك المرتكزات (وحدة الأرض، الاستقلال الاقتصادي والاستقلال الأمني). وبعد 27 عاماً من «اتفاق أوسلو»، لم تولد أيّ ملامح للدولة الفلسطينية التي كانت موعودة إقامتها في أيار من عام 2000 بعد الانتهاء من الاتفاق على قضايا الحلّ المرحلي، ليتوصّل معظم الفلسطينيين إلى قناعة بعد انتفاضة الأقصى بأن إقامة دولة مستقلّة لا يمكن أن تتحقّق إلا بعد امتلاك أدوات القوّة لإرغام الاحتلال على الانسحاب من أراضيهم.