ابراهيم ناصرالدين-الديار-مانشيت
على وقع «الغضب» الرسمي المكتوم في اسرائيل، والشعور بالضعف والرضوخ لاملاءات حزب الله، وسط اتهامات لواشنطن بالتحضير «لصفقة» مع دمشق، شرح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «خارطة طريق» دخول المحروقات الايرانية الى لبنان عبر سوريا، تحت عنوان «كسر» الاحتكار وخدمة كل اللبنانيين دون استفزاز احد او تعريض الدولة اللبنانية للعقوبات، وفي انتظار المازوت المرتقب وصوله يوم الخميس، لم تختلف انطلاقة الحكومة الجديدة عن سابقاتها سواء في سردية الكلمات الانشائية الممجوجة التي سبق وسمعها اللبنانيون الاف المرات، او لجهة لجنة البيان الوزاري الفضفاضة التي تعكس تعقيدات تركيبة الحكومة السياسية في ظل توصيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للوزراء «بالصمت» والاتجاه نحو العمل. في هذا الوقت، وفيما تعتبر طريقة صرف الاموال المفرج عنها من صندوق النقد الدولي، اول اختبار جدي لسياسات الحكومة الاقتصادية، تبدو»عين» باريس الان على المرفأ بعدما حجزت لنفسها كلمة وازنة في مجلس الوزراء، وتبحث عن صفقة اقتصادية تعين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في حملته الرئاسية قبل حوالى 8 اشهر من موعد الانتخابات، فيما يراهن الرئيس ميقاتي على «البوابة» المصرية كأول زيارة خارجية «لكسر» الصمت السعودي غير «البناء»…
فقد اعلن السيد نصرالله عن وصول باخرة المازوت الاولى ليل الاحد الى مرفأ بانياس، واكد ان الامور تحتاج الى يومين لتحميل المحروقات التي ستنقل الى بعلبك يوم الخميس المقبل، حيث سيتم تخزينه ليوزع لاحقا. واشار الى ان الباخرة الثانية ستصل بعد نحو خمس ايام وهي تحمل ايضا مادة المازوت، اما الباخرة الثالثة فقد بدأ تحميل مادة البنزين فيها في ايران، وقد تم الاتفاق على باخرة رابعة محملة بالمازوت ستصل اول الشتاء، وبعدها سيتم دراسة ما اذا كان البلد يحتاج الى بواخر اخرى. ولفت نصرالله الى ان الحزب كان امام خيارين، اما تاتي الى لبنان او الى بانياس، ولفت الى انه منعا للحرج عن الدولة وعدم تعرض مؤسسات الدولة الى العقوبات، اتخذ القرار بان ترسو الباخرة في مرفأ بانياس، وذلك بعد موافقة الحكومة السورية على استقبال كل البواخر وسهلت حركة التخزين الاولى في المرفأ، وساهمت في تامين عدد كبير من الصهاريج لنقل المحروقات الى الاراضي اللبنانية.
لمن ستوزع المحروقات؟
ولفت السيد نصرالله الى ان الهدف ليس التجارة، او منافسة الشركات، ولا المزايدة او التوظيف السياسي، بل تخفيف المعاناة، وستمنح المحروقات لمن يريد ولن يفرض على احد… ولذلك فيما يتعلق بالتوزيع فستقدم «هبة» مازوت لمدة شهر الى المستشفيات الحكومية، ودور العجزة والمسنين، ودور الايتام، ودور اصحاب الاحتياجات الخاصة، مؤسسات المياه، البلديات التي لديها آبار لاستخراج المياه، وتحتاج للاموال، افواج الاطفاء، الصليب الاحمر اللبناني. في المقابل، سيتم بيع مادة المازوت الى المستشفيات الخاصة، الافران، المطاحن، مصانع الامصال، الاستهلاكيات والتعاونيات الغذائية، معامل الصناعات الغذائية، المعدات الزراعية، واصحاب المولدات المطالبين بتخفيض تسعير الفاتورة لانهم سيحصلون على المازوت باسعار معقولة. ولاحقا سيتم البيع للافراد. والاعتماد سيكون على شركة الامانة لتوزيع المشتقات النفطية، كونها تحت العقوبات الاميركية مسبقا، وعبرها سيتم الاتفاق مع الراغبين. واكد السيد نصرالله ان الحزب حريص على منع الاحتكار، لافتا الى ان السعر معقولا وسيكون اقل من الكلفة، وبالليرة اللبنانية، وسيتحمل حزب الله وايران الفرق في الاسعار، وهو بمثابة هدية للشعب اللبناني.
سقوط الرهانات التافهة
ولفت السيد نصرالله ان كل الرهانات التافهة على عدم وصول البواخر الى لبنان، قد سقطت، وقال ان البعض تمنى ان تستهدفها اسرائيل، لكن ثمة مأزق اسرائيلي منع ذلك، وقد عبر عنه الاعلام الاسرائيلي، بشكل واضح، ولفت الى ان ادخال البواخر ضمن معادلة الردع، حماها من اي استهداف… ولفت في سياق آخر الى ان الاميركيين اضطروا الى الدخول في منافسة لاستجرار الغاز من الاردن ومصر بدل اعتراض السفينة، وهذا رحبنا به… ولفت الى ان زيارة الوزراء الى سوريا حصل بمباركة الاميركيين، لكنه حصل وهذا امر جيد.
اسرائيل ترضخ للتهديدات
وتزامنا مع اعلان السيد نصرالله عن تفاصيل دخول المازوت الايراني الى لبنان، تحسّر الاعلام الاسرائيلي على ضعف موقف حكومته وانتقد بشدة الاداء الاميركي على الساحة اللبنانية والسورية، وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «اسرائيل اليوم» عن تنازلات اميركية في سوريا، وشرك نصبه السيد نصرالله للاميركيين، واذعان في اسرائيل أمام تهديداته، وكتبت في هذا السياق، انه في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي علق فيها لبنان، وفي ضوء نقص حاد في النفط والغاز يشوش حياة الدولة، بادر نصر الله مع حلفائه في طهران لخطوة علاقات عامة لامعة، فالإيرانيون، وبوساطة حزب الله، ارسلوا النفط إلى لبنان. وهكذا يثبتون للجميع من هو الذي يتجند لمساعدة لبنان عند الحاجة، بل إن نصر الله حرص على أن يهدد بأنه إذا مست إسرائيل بالسفن الإيرانية، فسيرى في ذلك مساً بالأراضي اللبنانية، وسيرد بما يتناسب مع ذلك، ويبدو أن الأمور نزلت على آذان مصغية وفزعة في إسرائيل، كما تقول الصحيفة.
«شرك عسل» للاميركيين
وهنا تنقل الصحيفة عن مصادر اسرائيلية بارزة قولها بان الأميركيين اعدوا في الأسابيع الأخيرة صفقة تستهدف مساعدة حلفائهم في لبنان والخلاص من «شرك العسل» الذي نصبه «زعيم» حزب الله أمامهم. وبدلاً من أن يبدو التصميم والزعامة للوقوف في وجه إيران، اختار الأميركيون طريقاً ملتوياً جلبتهم مباشرة إلى أذرع الرئيس السوري بشار الاسد. واقترحوا أن ينقل كل من الأردن ومصر الغاز إلى لبنان ويربطوه بشبكة كهربائهم، وهكذا يخففون من الضائقة التي تسود فيه ويسمحوا لحكومة لبنان برفض المساعدة الإيرانية. أما السياسيون اللبنانيون الفاسدون وعديمو النفع، الذين هم على علم بالضرر الذي قد تلحقه العقوبات الأميركية بأعمالهم، فقد قفزوا على العرض كغنيمة كبرى.
صفقة اميركية مع سوريا؟
ونقلت الصحيفة عن تلك المصادر، تأكيدها أن الصفقة لم تمر مع دمشق دون «إيضاحات» قدمتها الولايات المتحدة، تشير الى ان واشنطن لا ترفض استمرار حكم الاسد في سوريا، وأن في نيتها سحب كل القوات الأميركية من الدولة في أقرب وقت ممكن. وبحسب «اسرائيل اليوم» واشنطن مستعدة لـعقد الصفقات مع الاسد مثلما في الماضي. تأمل واشنطن وإسرائيل بأن يكون بشار بعد الحرب هو بشار جديد، أكثر إنصاتاً وحذراً، مستعداً لصفقات موهومة ودعم أميركي مقابل طرد إيران من سوريا. غير أن آمالاً كهذه ستتحطم على أرض الواقع مثلما في الماضي.
«البوابة» المصرية
حكوميا، وفيما اكد السيد نصرالله انه مطلوب اعطاء الوقت الكافي للحكومة قبل الحكم عليها، وقال ان المطلوب منها هو الانقاذ، ولفت الى ان الوقت ضيق والبلد في قلب المعاناة، وطالب تخفيف معاناة الناس،لان المدة قصيرة، والمطلوب منها مجموعة من الخطوات الاصلاحية. في المقابل اصرعلى انجاز الانتخابات النيابية والبلدية في موعدها. يظل «الصمت» السعودي عاملا مقلقا لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يتحضر رئيس الحكومة لفتح «كوة» في علاقات لبنان الخارجية من «البوابة» المصرية التي دشنت دخولها الى الساحة اللبنانية من خلال استجرار الغاز الى لبنان عبر الاردن وسوريا، وامام اصرار السعودية على «ادارة الظهر» للساحة اللبنانية، تؤكد اوساط مطلعة ان رئيس الحكومة يعوّل على القاهرة لتعيد طريقه نحو دول الخليج، ولهذا يتحضر لزيارتها بعد نيل الحكومة الثقة، اولا لشكرها على مساعدة لبنان «غازيا»، وطلب «وساطتها» في تليين مواقف مجلس التعاون الخليجي الذي لن يساعد دون الرضى السعودي، وهو لذلك سيسعى ايضا لزيارة الكويت لاعادة احياء قرض تأهيل الكهرباء، وكذلك استخدامه كساحة خلفية للولوج الى الرياض التي لم تتخذ موقفا سلبيا من شخصه كما فعلت مع الرئيس الحريري الذي تتعامل معه كمواطن سعودي «خارج عن القانون»، لكنها لم تعط حتى الان اي اشارة ايجابية تجاه عودته الى السراي الحكومي.
مخاوف من «سمسرات»
وبمعزل عن برنامج العمل الذي يرتقب أن تحدده الحكومة في بيانها الوزاري، والذي ستتقدم به لنيل الثقة «المضمونة» من مجلس النواب فان «رحلتها» القصيرة قبل موعد الانتخابات محفوفة بمخاطر الفشل ما لم يواكبها دعم خارجي، وهو امر محفوف بمخاطر «السمسرات» لدول يحتاج لبنان لدعمها، وفي هذا السياق، تتوقف اوساط سياسية بارزة عند توجه رئيس الحكومة نحو ضرورة إشراك القطاع الخاص في إعادة هيكلة الاقتصاد، وهو ما يفتح «الابواب» امام مخاطر ضغوط خارجية ضخمة ستتعرض لها الحكومة من قبل الدول الراعية للتفاهم الحكومي وفي مقدمتها باريس التي تسعى لنيل «كعكة» اعادة اعمار المرفأ، وهو امر جاهر به الفرنسيون في الاجتماعات المغلقة خلال عملية تاليف الحكومة، وثمة حديث عن»صفقة» قد تمت فعليا قبيل «الولادة»، مماثلة لما حصل في العراق مع شركة «توتال» التي حظيت على استثمارات ضخمة في البصرة بنحو 27 مليار دولار، وهو امر اصرّ عليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عشيّة الانتخابات الرئاسية، حيث يسعى لاستثمارات مضمونة في لبنان في اكثر من قطاع وخصوصا المرفأ، بهدف تقديمها للشعب الفرنسي على انها انجازات اقتصادية خارجية تعوض الاخفاقات الداخلية.
كلام قليل وعمل كثير!
وعقب التقاط صورتها التذكارية في قصر بعبدا امس، عقدت الحكومة جلستها الاولى، وقد طلب رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من الوزراء، التخفيف من الكلام والذهاب نحو الافعال. وفي السراي الحكومي انعقدت لجنة صياغة البيان الوزاري برئاسة ميقاتي وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي ووزراء العدل هنري خوري، الطاقة وليد فياض، المالية يوسف خليل، الثقافة محمد مرتضى، الداخلية بسام مولوي، التنمية الادارية نجلا رياشي، الاعلام جورج قرداحي، التربية عباس حلبي، العمل مصطفى بيرم، والزراعة عباس الحاج حسن والمهجرين عصام شرف الدين، وبعد انتهاء نقاشاتها، توقع وزيرالإعلام جورج قرداحي الانتهاء من صياغة البيان الوزاري اليوم. ووفقا للمعلومات تضمنت المسودة المؤلفة من اربع اوراق كيفية معالجة الاوضاع الاقتصادية، وكذلك تعهدا باجراء الانتخابات النيابية والبلدية في موعدها، وبعد ابداء بعض الوزراء بعض الملاحظات سيتم تنقيحها اليوم.
ثقة «التيار» مضمونة
في هذ الوقت، تبدو طريق «الثقة» الوازنة للحكومة متيسرة في المجلس النيابي، وفي هذا السياق، تشير اوساط مقربة من الرئيس ميقاتي بان التكهنات حول موقف التيار الوطني الحر في غير مكانها على الرغم من الكلام «الشعبوي» حول البيان الوزراي، ولفتت في هذا السياق الى ان رئيس الجمهورية قدم تعهدا للرئيس ميقاتي بمنح «التيار» ثقته للحكومة، كما ان الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية تم اختيارهم من قبل الوزير جبران باسيل، فهل يعقل ان لا يمنح «الثقة» لحكومة يتمثل به «التيار» على نحو مباشر؟! من جهتها، تشير اوساط «التيار» الى ان التوجه هو للتعامل بإيجابية مع الحكومة التي تحمل توقيع الرئيس عون.
«مسلسل» الاذلال؟
معيشيا، تواصل مسلسل اذلال المواطنين امام محطات الوقود في ظل الانقطاع شبه التام للمحروقات، بعدما عاد المصرف المركزي الى «تقنين» فتح الاعتمادات، فبعد تأخير غير مبرر وبعد ان علق عدد كبير من محطات المحروقات خراطيمها اعطى «المركزي» موافقته لـ6 بواخر بنزين ومازوت في المياه الاقليمية اللبنانيّة ولباخرتين ستصلان تباعاً بحسب السعر المدعوم على الـ8000 ليرة حيث تكفي الكميات السوق حتّى 25 الجاري، اي تأجيل رفع الدعم حتى نهاية الشهر الجاري، وهكذا نكون مجددا امام حل «ترقيعي» دون اي افق لكيفية التعامل مع المرحلة المقبلة وكيفية تعامل الحكومة الجديدة مع رفع الدعم الذي سيشل حكما قطاعات واسعة وفي مقدمتها المدارس، فيما الملاحظ ان الاسعار في الاسواق ارتفعت على الرغم من تراجع سعر الدولار، والحجة غلاء المحروقات؟!
«فضيحة» في الخارجية
وقبل ساعات على استلام الوزير الجديد عبدالله ابوحبيب وزارته، شهدت وزارة الخارجية فضيحة من العيار الثقيل تعكس حالة التحلل في الدولة اللبنانية، ففي مشهد غير مألوف عمد عناصر من امن نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر الى خلع وتكسير ابواب مديرية الرموز في الوزارة اثر اشكال وقع بين الوزيرة والأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، جرى خلاله عراك مع أمن الوزيرة على خلفية تمنّع شميطلي عن تسليم البريد للوزيرة باعتبار انها اصبحت غير ذات صفة، وقد عمد 12 من مرافقي عكر الى تكسير الابواب والتعرض لشميطلي وبعض الموظفين بالضرب… في المقابل، بررت اوساط وزيرة الدفاع ما فعله مرافقيها بانها ارادت توديع الموظفين هناك وشكرهم لكن شميطلي اوعز باقفال الابواب في وجهها وطلب منها عدم التحدث معهم الا في حضوره لان ذلك «مخالفة دستورية» حسب قوله ما اضطر الوزيرة الى اعطاء تعليمات بفتح الباب.