علي هاشم
يصل مصطفى الكاظمي إلى طهران في وقت تبدو فيه المنطقة بأسرها في حال تحوّل لا يقل صخبا عن ذلك الذي شهدته في أعقاب احداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. لكن رئيس الوزراء العراقي يرغب كما هو واضح في أن يكون جزءا أصيلا من التغيير، لا مجرد ورقة من الأوراق التي تتداول على الطاولة، ولذا فهو يسعى بشكل واضح لموضعة العراق على الخريطة الجديدة، نقطة وصل لا ميدان قتال.
في الشكل لا يمكن تجاهل واقع أن طهران بوابة عبور إلزامية لمصطفى الكاظمي لولاية ثانية كرئيس وزراء، وهذا ما يجعل من زيارته قبل الانتخابات حمالة دلالات ستكملها اللقاءات التي يجريها في العاصمة الإيرانية وقدرته خلال هذه اللقاءات على طمأنه الدولة الأكثر تأثيرا في بلاده على كونه يستطيع ضمان مصالحها في العراق، إلى جانب مصالح الآخرين، بينما يحافظ في الوقت عينه على مصالح بلاده.
وإن كان الكاظمي والمصادر المقربة منه يرفضون فكرة أنه يسعى لولاية ثانية، إلا أن الأمر الواقع التي تفرضه المرحلة على جميع الأطراف الفاعلة في الساحة العراقية، تجعل من بقائه حاجة للجميع لمتابعة المسار باتجاه شرق أوسط جديد، بنسخة مصنوعة إقليميا، ومشاركة الأطراف الرئيسية الفاعلة على امتداد المنطقة، تماما كما في القمة التي شهدتها بغداد في نهاية شهر آب/ أغسطس الماضي، والتي بغض النظر عن نتائجها جمعت في صورتها التذكارية أطرافا لم تكن لتجتمع معا قبل عام فقط.
يحلو للبعض وصف الكاظمي بشركة مساهمة إقليمية دولية، الجميع له فيها حصصا متفاوته، خاصة وأن الرجل عكس قدرة على المناورة بين الأطراف المختلفة بشكل يضعه في بال كل طرف رجل الطرف الآخر، والعكس صحيح. وهو يدخل طهران ينتظر منه الإيرانيون بناء على القاعدة السالفة رسالة سعودية يمكن بعدها ولوج الجولة الرابعة من المحادثات بهدوء، رغم الصخب الذي أثاره وزير خارجية إيران الجديد حسين أمير عبد اللهيان عندما لم يقف إلى جانب نظيره السعودي في قمة بغداد الأخيرة.
الكاظمي هو أول مسؤول اقليمي رفيع يستقبله الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي في طهران، وهو كان التقاه كرئيس للسلطة القضائية عندما زار العراق في شهر شباط/ فبراير الماضي. يعلم رئيس الحكومة العراقية أن هذه الحكومة في طهران مختلفة عن السابقة، وهي لذلك سوف تعتني كثيرا بالتفاصيل التي ستسمعها منه، حول الانتخابات القادمة، حول العلاقات الاقتصادية، مساحة التعاون والشراكة الممكنة بين البلدين، وبدون أدنى شك، العلاقة مع الفصائل والانسحاب الأميركي والفراغ الذي سيتركه خلفه. لكن لقاء رئيسي لن يكون الأهم، فإلى جانب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشورى وبطبيعة الحال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، واللقاءات الاقتصادية التي من المفترض أن يشارك فيها الوفد الاقتصادي الرفيع الذي سيرافق الكاظمي، سيكون لقاء القائد الأعلى آية الله علي خامنئي اللقاء الأكثر رمزية بالنسبة للزائر. فالصورة مع خامنئي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات لها ما لها وعليها ما عليها، لكن الكاظمي يرغب بما لها لأن ذلك يفوق ما قد يترتب عليها.
صحيح أن طهران لا تضع كل بيضها في سلة الكاظمي كما بدا واضحا في مناسبات عديدة، لكنه من بين كل رؤساء الوزراء الذين حكموا العراق خلال السنوات الماضية يدير التوازنات التي تقلق إيران بشكل أفضل ممن سبقوه. هذا إلى جانب أنه في الشارع لا يحملها عبء الأخطاء التي قد يرتكبها أو ارتكبها كما في حالة عادل عبد المهدي أو نوري المالكي، ويتجنب اصطياد أخطائها في العراق كما كان حال حيدر العبادي. بعض الإيرانيين يأخذ على الكاظمي تشدده مع الفصائل، بل والبعض يتهمه بتنفيذ اجندة أميركية لمحاصرة “قوى المقاومة” الحليفة لإيران بهدف تجريد طهران من قوتها في الداخل العراقي، هؤلاء لا يريدون للكاظمي أن يستمر في موقعه ويفضلون الذهاب نحو قيادة لون واحد للمرحلة، لكن هكذا قيادة حتى وإن فازت بأكثرية نيابية، وهذا مستبعد، ستواجه الكثير من المصاعب في الحصول على مباركة صاحب الكلمة الفصل، آية الله علي السياستاني.
في يده سيحمل الكاظمي للإيرانيين قراره بزيادة عدد التأشيرات للإيرانيين لزيارة الأربعين من ٣٠ ألفا إلى ستين، وفي طريق عودته إلى بغداد ستكون نتائج رحلته، سلبا أم أيجابا، ورقته التي سيقترع فيها في الانتخابات القادمة والتي قد تأتي به رئيسا للحكومة للمرة الثانية، أو تخرجه من المعادلة السياسية وتبقيه رئيسا للمخابرات كما كان الحال ولا يزال.