كنت أحتضن صغيرتي نبيلة أثناء شربها الحليب من زجاجتها حينما بثت شاشات التلفزة أنباء الهجوم على البرجين التوأمين في نيويورك. وعلى غرار كثيرين غيري في العالم كله، انتابني شعور بالصدمة والرعب جعلني ألتصق بشاشة التلفزيون ساعات طويلة يوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.
لقد أودت الهجمات بحياة 3 آلاف شخص تقريباً. وكذلك دمرت حياة محبيهم الذين تركوهم خلفهم. وشعرت بالحزن الشديد والغضب إزاء ذلك العمل الإرهابي الأرعن. ووقفت في الليل أتأمل أطفالي النيام وأفكر في كل الأطفال الذين لم يبصروا النور بعد وقد خسروا بالفعل آباءهم في الهجمات على البرجين التوأمين في نيويورك. سوف يعلم هؤلاء الأطفال لاحقاً عن وفاة أهلهم الذين لن يكونوا بجانبهم أبداً خلال أول يوم لهم في المدرسة ولا في أعياد ميلادهم ولا المناسبات الرياضية.
وسوف يظل التاريخ الأهم المحفور في قلوبهم هو الحادي عشر من سبتمبر بوصفه تاريخ خسارتهم المأساوية.
وفي الوقت ذاته، شعرت بالقلق بسبب علمي أن بعض الناس سيفترضون أن المسلمين كلهم يشاركون الإرهابيين آراءهم. ليس الإرهابيون بمسلمين. ولقد تعمدوا تحريف النصوص الدينية لكي تناسب جدول أعمالهم الإجرامي. إنهم قتلة.
ردت الولايات المتحدة على ذلك النهار المأساوي بطريقة لم تكتف بإعادة صوغ نظامها الديمقراطي فحسب، بل أعادت تشكيل عالمنا بأسره، وكذلك طريقة حياتنا. وشهد عالمنا اجتياح أفغانستان والعراق والمراقبة السرية وزيادة عمليات التفتيش المباغتة لمنازل المسلمين عند الفجر وطريقة مراقبة أطفالنا ويافعينا في المدارس. لقد أضحت حقبة من الخوف والشك.
بعد الحادي عشر من سبتمبر، أصبح الجدال بشأن المسلمين ثنائي القطب. لقيت أنا وكثيرون من أصدقائي المسلمين تعاطفاً من الأشخاص الذين فهموا أننا لا نؤيد تلك الأعمال الهمجية، إضافة إلى كوننا قلقون بشأن سلامتنا. ومن ناحية أخرى، ثمة من افترض بأن ذلك التصرف شكل تصرفاً إسلامياً فأظهروا عدوانية تجاه كل شخص يبدو عليه أنه مسلم.
كيف أنسى مرات لا تعد ولا تحصى لاحظت خلالها نظرات التخوف والذعر على وجوه الناس حين مددت يدي لأتناول هاتفي من حقيبتي داخل قطار الأنفاق، أو تلك المرة التي سقطت فيها سبحتي من حقيبتي في شهر رمضان؟ أذكر أنه بعد فترة قصيرة من وقوع الهجمات الإرهابية، علا صوت منبه الأذان الذي تحبه جدتي المسنة من داخل حقيبتها، فركض الأشخاص الذين كانوا يقفون في الصف داخل المحل باتجاه الباب.
بعدها أطفأت جدتي المنبه، من دون أن تلاحظ نظرات موظفي المحل المستمرة وغير المريحة والمنتقدة التي تلاحقها، وانحنت بردائها الساري القطني الأبيض وحجابها، كي تلتقط لعبة أوقعها أحد الأهالي وتعيدها إلى أمينة الصندوق. منذ فترة قصيرة، كنت في قطار الأنفاق في لندن حين نعتني أحد الراكبين بـ”العاهرة المسلمة اللعينة”، لكن بعض الناس دافعوا عني.
قبل عشرين عاماً، شُن أول هجوم انتقامي لحوادث الحادي عشر من سبتمبر على مهاجر من السيخ في أميركا أطلق عليه الرصاص لأن الذي هاجمه أراد “الخروج وإطلاق الرصاص على بعض الذين يلفون رؤوسهم بمناشف”. كذلك ارتفع معدل جرائم الكراهية ضد المسلمين في أعقاب حوادث الحادي عشر من سبتمبر بشكل كبير. وتزايد أيضاً عدد الحوادث الموجهة ضد من يشبهون المسلمين بالشكل الخارجي. وإضافة إلى ذلك، تعرضت مساجد ومراكز ثقافية إسلامية إلى استهداف واسع ضمن أعمال انتقامية.
منذ ذلك اليوم المصيري الذي غير وجه العالم حين قاد تنظيم “القاعدة” طائرتين لتصطدما بالبرجين التوأمين، تُطرح مواضيع الإسلام والمسلمين والتطرف للنقاش بشكل متكرر.
في يونيو (حزيران) 2009، دفعت باتجاه عقد فعالية “زمن التساؤل: مقاومة التطرف” بهدف المساهمة في مناقشة موضوع التطرف وسط شريحة تمثل المجتمع الإسلامي. وقد استُخدمت أيضاً كأساس في تطوير برنامج إذاعي على قناة “بي بي سي لندن”. في تلك السنة، سافرت مع عائلتي إلى نيويورك. وجاءت التجربة مليئة بحوادث من الإسلاموفوبيا وحتى العنف. إذ فُصل المسلمون عن المسلمات في مطار “جون أف. كينيدي” وأُخضغوا للاستجواب. وحين صلّى أحد أقاربي من الرجال في متنزه، رُمي بحجر على مؤخرة رأسه.
تغيرت أميركا والعالم بأسره إلى الأبد بسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي أثرت على عديد من الناس بصورة شخصية.
في ذلك السياق، ربما زادت الصحف من تغطياتها التي تكرس الأفكار النمطية خلال العشرين عاماً التي مرت على وقوع حوادث الحادي عشر من سبتمبر، لكن تهميش المسلمين في الإعلام ليس مشكلة جديدة. إذ لا يقتصر تأثير التقارير الإعلامية الاتهامية والمنحازة على نظرة الآخرين إلى المسلمين فحسب، بل أيضاً نظرة المسلمين إلى العالم الذين يعيشون فيه. وفي الحقيقة، مع ظهور حملات كـ”حياة السود مهمة”، تحسنت بعض جوانب حياة المسلمين على غرار التساوي في الفرص، لكن ذلك لا يعني أن العنصرية قد خفت. فبدءاً بالخطاب المعادي للصينيين، ووصولاً إلى خطاب الكراهية المنتشر على الإنترنت والموجه ضد المسلمين، عملت الجائحة على تقسيم الناس كذلك وتسببت في نشر الأخبار الكاذبة.
وسوف يزداد الوضع سوءاً في بريطانيا وأوروبا فيما نواجه تواصل خطر الاستقطاب المتطرف عبر الإنترنت، وتهديد “داعش” المستمر والمخاطر الأمنية التي لا مفر منها في الداخل والخارج، المتأتية من سقوط كابول، أخيراً، في أيدي “طالبان” مع الانسحاب المفاجئ للقوات الغربية منها. في الأسبوع الماضي، حذر المستشار الأمني في باكستان الغرب والمجتمع الدولي بضرورة “التعامل” مع حركة “طالبان” توخياً لتفادي تكرار حوادث الحادي عشر من سبتمبر.
خلال السنوات الثلاثين الماضية، بدا من الصعب أن أكون سيدة مسلمة محجبة. وابتداءً من النظرات المُدينة ووصولاً إلى السيدة البيضاء التي نزعت حجاب ابنتي عن رأسها أثناء عودتها من المدرسة، أصبحت كلمة “مسلمة” مصطلحاً سيئاً بالنسبة إلى الآخرين، حينما يلتقون بي. كذلك لا تسمح سن طفلاي الأصغر لهما تذكر حوادث الحادي عشر من سبتمبر، لكنها محفورة في أذهان من يبلغون عمراً كافياً كي يتذكروها، كابنتي الكبرى.
في بعض الأحيان، بدا أنه من المرهق محاولة إعادة صوغ الصور النمطية، وتبديد الخرافات، ومقاومة التطرف. أنا بريطانية وبنغلاديشية ومسلمة، بل تشكل كل تلك الجوانب جزءاً من هويتي. في المقابل، قبل كل شيء، أنا إنسانة.
وأقول لمن يظنون أن المسلمين لا يتذكرون الحادي عشر من سبتمبر، إن ذلك التاريخ محفور في أذهاننا وقلوبنا وحياتنا اليومية. نحن نحزن مع جميع الذين خُطف منهم أحباؤهم.
وأتذكر كلمات ساندي دال، زوجة الطيار جيسون دال الذي قاد الرحلة 93 وتوفي في الحادي عشر من سبتمبر “إن كان لنا أن نتعلم درساً وحيداً من تلك الفاجعة، فسيكون أن الحياة قصيرة، وما من وقت كافٍ للكراهية”.
في هذا الزمن المضطرب، باتت تلك الكلمات أكثر أهمية من كل وقت مضى.
© The Independent