الخنادق
لا يوفر وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس فرصة حتى يعبّر عن حجم قلق كيان الاحتلال من تهديد الجمهورية الإسلامية الجدي له، نظراً لما تمتلكه من ترسانة عسكرية ضخمة وبرنامج نووي وعقيدة تهدف لضرورة إزالته وتفكيكه. وفي تصريحه الأخير اليوم الأحد، اعتبر غانتس أن إيران أصبحت “أقرب من أي وقت مضى إلى كمية اليورانيوم المخصب التي ستجعلها دولة على عتبة التسلح النووي”. فماذا يقصد غانتس بالـ “العتبة النووية”؟
قانونياً يعتبر مصطلح “تجاوز عتبة نووية” إلى الوقت الذي تقوم فيه دولة تمتلك طموحاً عالياً بامتلاك السلاح النووي يتجاوز الالتزامات التي صادقت عليها عند انضمامها لمعاهدة “عدم انتشار الأسلحة النووية”.
تقنياً فيشير هذا التجاوز إلى الوقت الذي تستطيع فيه هذه الدولة انتاج أسلحة نووية وتفرض ذلك كأمر واقع، متجاهلة الضغوط الدبلوماسية والتهديدات العسكرية. ويشير الخبراء إلى ان لحظة اعلان الدولة عن استحواذها لهذا السلاح يكون بامتلاكها الكمية الكافية من المواد الانشطارية لصنع نظام أو جهاز نووي واحد على الأقل.
وتشير مصادر متخصصة بمجال التصنيع النووي إلى ان الكمية التي تحتاجها الدولة لصناعة جهاز نووي يعمل باليورانيوم العالي التخصيب “يورانيوم-235” فتبلغ 25 كيلوغراماً. أما إذا استخدمت كمية كبيرة من المتفجرات التي تتمتع بفاعلية عالية لضغط كمية “اليورانيوم-235” فإنها قد تحتاج إلى كمية أقل من اليورانيوم.
إيران والعتبة النووية
بالنسبة لإيران فإنها قد صادقت عليها منذ عام 1970 (لم تنضم “إسرائيل” والهند وباكستان إليها وانسحبت منها كوريا الشمالية عام 2003).
بموجب الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 عمدت إيران إلى كبح نشاطها في هذا المجال، وأزالت كميات من اليورانيوم المخصب جزئياً من داخل مفاعلاتها النووية. بذلك زاد وقت الاختراق إلى شهرين أو أكثر حسب زعم أوساط أمنية إسرائيلية. غير أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق على عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 دفع الجمهورية الإسلامية إلى إعادة العمل وتشغيل عدد أكبر من أجهزة الطرد المركزية إضافة لتخصيب اليوارنيوم بمعدل يتجاوز المسموح فيه -حسب الاتفاق القديم- أي 3.67%.
هذا الأمر أثار حفيظة كيان الاحتلال الأمر الذي دفعه لاستهداف منشأة نطنز النووية بمحاولة لتوجيه رسالة تحذيرية رسالة إلى إيران بالتراجع، غير أن ما حدث كان خارج عن التوقعات الإسرائيلية وهو قيام إيران برفع معدل تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% وتعزيز المنشأة بـ1000 جهاز طرد مركزي جديد، وإعلان الرئيس الإيراني السابق الشيخ حسن روحاني عن قدرة بلاده على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% وهذا يعني استخدام هذا المعدن الانشطاري لأغراض عسكرية نووية.
هذا القلق الإسرائيلي العظيم من امتلاك إيران للأسلحة النووية كان بمثابة “قضية” كل رئيس وزراء جديد يتسلم مهامه في “إسرائيل”، يحملها معه في كل المحافل الدولية. وما كانت زيارة نفتالي بينت الأخيرة إلى واشنطن إلا لمحاولة استجداء أي تطمينات بعد فشله في تغيير موقف الإدارة الأميركية من العودة إلى الاتفاق النووي.
قد يُفهم حجم المخاوف الإسرائيلية إذا ما عرفنا أنه قلق مزدوج، ليس فقط من أن تمتلكه إيران كدولة لحماية أرضها وسيادتها من أي هجوم، بل من تصديره إلى الحركات الفاعلة إقليمياً كحزب الله الذي يرابط على الحدود الفلسطينية الشمالية. فتجربة “إسرائيل” مع تسليح حزب الله يعرّف عنها أمنيون إسرائيليون بأنها الأخطر بعد قلقهم من امتلاك الحزب للصواريخ الدقيقة وقدرته فعلياً على امتلاكها والاعلان عن ذلك صراحة على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله.
حجم القلق هذا أفرز مغالطات وسوء تقدير داخل الكيان، فإيران قد أعلنت غير مرة عن عدم نيتها بامتلاك السلاح النووي، بل وتحريمه أيضاً كما أعلن الامام السيد علي الخامنئي. ولو أنها أرادت ذلك فعلاً لانسحبت من معاهدة حظر الأسلحة النووية وما أبدت استعداداً للعودة والالتزام بالاتفاق النووي. غير ان سوء التقدير الاسرائيلي ليس بجديد وهو ما أوصله إلى ما هو عليه الآن بعد سلسلة اخفاقات تعرض لها منذ احتلاله لفلسطين إلى اليوم.
قد يكون وراء التصريحات الإسرائيلية حول سعي إيران امتلاك القنبلة النووية -رغم معرفته ان لا نية لديها بذلك- هو مشروع تأليب الرأي العام العالمي ضدها من جهة، والتوجه للرأي العام الإسرائيلي الذي تتوالى عليه الخيبات جراء ما يتعرض له بالداخل الفلسطيني وتوجيه الدعاية إليه أن الخطر الحقيقي يكمن بمكان آخر. وكانت إيران قد توصلت مع السداسية الدولية المعروفة باسم P5 + 1 (الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) إلى اتفاق نووي في 14 تموز 2015 يحد من برنامج إيران النووي، ويعزز المراقبة في مقابل تخفيف العقوبات على إيران، انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018.