جو لحود
غالبا ما ينظر الى المرده على انه تيار سياسي محليّ مرتبط بشمال لبنان وبمنطقة زغرتا الزاوية على وجه الخصوص، والنظرة هذه وعلى الرغم من محاولة البعض تحويلها الى تهمة، الا انها تبقى مرآة لحقيقة المجتمع اللبناني وتركيبته وخصوصيته، لا سيما في ما يخص التركيبة المسيحية والمارونية التي وزعت الموارنة بين المدن والجبال، فكان للمرده الحصة الوازنة من تمثيل موارنة الجبل في أم الدوائر، حيث يمكن القول ان اللاعبين الاساسيين هم عصب أساسي للوجود المسيحي ببعده الوطني والمشرقي.
وغالبا ما استطاع تيار المرده تقديم نفسه كتيار وطني ينطلق من بعده الطائفي في محاولة واضحة للحوار والتلاقي استنادا الى مبادىء العيش المشترك الذي لطالما نادى بها الوزير السابق سليمان فرنجيه.
فالمرده وعلى الرغم من عدم خوضه المعارك الانتخابية على ساحة الوطن، الا انه يحظى باحترام واسع وشامل في صفوف مختلف الطوائف والمناطق ولا حاجة هنا للحديث عن متانة العلاقة بينه وبين طرابلس وزعاماتها بما ومن تمثل وبين المرجعيات الشيعية التي احتضنها “المرده” فاحتضنته مرارا وتكرارا، فضلا عن الود والاحترام اللذين يربطانه بمختلف مكونات الحياة اللبنانية بغض النظر عن مدى التلاقي والتعارض في المواقف السياسية.
اما اليوم ومن خلال وجود المرده في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كمكون مسيحي أساسي منذ مرحلة ما قبل التكليف مرورا بها ووصولا الى التشكيل وما بينهم من مفاوضات خاضها بوضوح وشفافية ودون مواربة تماشيا مع تاريخه وأدائه السياسي في مختلف المراحل والعهود، يؤكد المرده على 3 نقاط أساسية لا بد من التوقف عندها وقراءتها بشكل تفصيلي
أولا: عمد تيار المرده الى المفاوضة بشكل مباشر على المقاعد الوزارية التي يريدها وأعلن صراحة الاسباب التي قد تمنعه من دخول الحكومة، كما اعلن عن شكل وحجم التمثيل الذي يناسبه، وفي عملية الاعلان هذه والحديث المباشر يمكن القول انه سلك عكس وجهة جزء كبير من أحزاب السلطة التي عمدت بعد حراك 17 تشرين الى التلطي خوفا او هروبا او تفاديا لردات الفعل السلبية التي قد تنتج عن مشاركتها في صنع القرار، وهنا خطوة جريئة من المرده تتفاداها بعض الاحزاب المسيحية الحالية التي تتجه نحو المعارضة بغض النظر عن مفهوم المعارضة وطبيعتها وفعاليتها.
ثانيا: اختار تيار المرده من خلال الوجوه التي قدمها الى الحكومة ان يخرج من دائرته الشمالية ويمتد نحو الساحل الماروني وتحديدا نحو كسروان حيث يجمعه بالنائب فريد هيكل الخازن تحالف متين قد يشكل حالة سياسية جديدة قابلة للاستمرار والتطور.
والامتداد نحو كسروان لاقى ترحيبا واسعا من أبناء المنطقة الذين اعتبروا ان خيار المرده أعاد كسروان الى قلب لبنان ووضعها من جديد على سكة القرار، اذ ان الوجوه الكسروانية غابت مؤخرا عن الساحة الوطنية لاسباب لن ندخل في تفصيلها الآن، كما ان هذا الامتداد طرح علامات استفهام عديدة في صفوف الحلفاء قبل الخصوم، فالذين يأخذون على تيار المرده عدم توسعه أكان من باب الغيرة والمحبة او النقد ومحاولة التحجيم، يطرحون اليوم الاسئلة عن هدف المرده من هذا التوسع وعن الخطة التي سيطرحها لينطلق من خلالها الى المعركة الانتخابية المقبلة التي يبدو ان التغيير فيها سيصب بأعلى نسب في الشارع المسيحي.
ثالثا: خاطب تيار المرده من خلال اختياره للوزيرين جورج قرداحي وجوني القرم المجتمع الدولي وأكد له انه يحترم وعوده ويفي بما يتفق عليه حتى ولو بعد مضي أكثر من سنة كاملة، ففي سيرة كل من الوزيرين مسيرة تميّز تجعلهما من ابناء الاختصاص دونما اي شائبة تذكر، وبالاطار لا ينتمي الوزيران المذكوران الى تيار المرده، لا بل لم تجمعه بهما معارك وسياسات مشتركة، من هنا يظهر واضحا تقديم المرده لعنصر الاختصاص والاستقلالية على عناصر الانتماء الحزبي وهذا ما نادت به مختلف دول العالم.
وانطلاقا من النقاط التي وردت يبدو التعاطي مع المرده ما بعد حكومة ميقاتي لا يشبه التعاطي معه ما قبلها، فهو اليوم محاور واضح للشارع اللبناني المنتفض والحراك الدولي الراغب بعدم زوال لبنان، كما انه لاعب سياسي وطني وماروني يمثل بحضوره الحكومي شريحة واسعة لا يمكن اختصارها لا بطائفة ولا بمنطقة، لكن تبقى العبرة في الخطوات التالية التي سيتخذها المرده ومدى نجاحها في ان تحاكي حضوره الوازن في الحكومة الحالية.