بينيت يلتقي بايدن: تغيير اللهجة ومناقشة الخلافات
ديفيد ماكوفسكي
تحليل موجز
يتطلع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس الأمريكي جو بايدن إلى قمة متفائلة، لكن الاختبار سيكون في ما إذا كان بإمكانهما بناء الثقة والعمل من خلال خلافاتهما بشأن القضايا الإقليمية الشائكة، وخاصة الاتفاق النووي الإيراني.
يشكل الاجتماع المنعقد في البيت الأبيض مع الرئيس بايدن طقساً من طقوس العبور بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وحكومته الهشة المختلطة والمتألفة من طائفة واسعة من الأطراف. وفي حين كان بنيامين نتنياهو يسيطر على مدى السنوات الاثتني عشرة الماضية على السياسة الإسرائيلية ويرسم سياسات بلاده في أذهان العديد من الأمريكيين، يسعى بينيت منذ الآن إلى إظهار اختلافه عن هذا الإرث. وكان توقيت الزيارة مهماً أيضاً لبايدن، فإدارته لا تزال تحاول التعامل مع الاضطراب الحاصل في أفغانستان. في ضوء هذه العوامل والحيرة المستمرة بشأن الخطوات التالية في الملفات الإيرانية والفلسطينية، يحتاج الرئيسان إلى الاستمرار بتغيير لهجة العلاقة – وتبنّي مهمة أصعب هي حل الخلافات بين سياساتهما بهدوء.
لهجة بناءة في ظل أفغانستان
قبل مغادرته لواشنطن، أخبر بينيت الصحافيين أنه يسعى إلى إرساء “روح تعاون جديدة” مع الولايات المتحدة، ملمحاً إلى الفترات العسيرة التي اختبرها نتنياهو مع الإدارة الديمقراطية الأخيرة. فقد التزم بينيت ورئيس الخارجية يائير لبيد بإبراز هذه اللهجة البنّاءة وتفادي الاشتباكات الشعبية التي شهدتها سنوات نتنياهو، كما شدّدا على أهمية إعادة تأييد الحزبين للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
على المنوال نفسه، حافظت إدارة بايدن على “فترة شهر العسل” مع بينيت. فالرئيس بايدن لا يرغب في عودة نتنياهو إلى السلطة، لذلك سيفعل ما بوسعه لدعم حكومة بنيت الجديدة الهشة من خلال مدّها بالتشجيع الأمريكي القوي. كما أن الانسجام الشخصي مع القادة الآخرين يشكل ركناً أساسياً في نهج السياسة الخارجية لبايدن. فحين يكون المسؤولون واثقين من أن واشنطن لن تكشف علناً عن خلافاتهم بطريقة مؤذية، تصبح عادةً العلاقات الثنائية أكثر حميميةً وصدقاً. وهذا التركيز على العمل وراء الكواليس هو ما اتسم به توسّط بايدن الشخصي في أزمة غزة خلال أيار/مايو، فساعده على ضبط القتال بسرعة نسبية. بالتالي، وبغض النظر عن أي خلافات تنشأ وراء الأبواب الموصدة، يمكن التوقع أن تتجنب الحكومتان الانتقادات العلنية أو أن تهدّئاها بشكل كبير، وأن تؤكدا على التقارب بينهما، أقله في أعقاب القمة. فهذا هو الأسلوب الذي تتبعه إدارة بايدن لتصحيح عادة إدارة أوباما بإخراج خلافاتها مع نتنياهو إلى الملأ.
لا شك في أن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان سيلقي بظلاله على القمة أيضاً، وقد يدفع بينيت إلى التذكير علناً بأن الولايات المتحدة حليفةٌ ثابتة لإسرائيل منذ عقود. وإذا صدر هذا التصريح عن زعيم دولة يتماهى بشدة مع الحرب على الإرهاب، قد يُكسب بينيت حظوةً خاصة في وقت يتعرض فيه بايدن للانتقادات بسبب قراره. وقد يكون أيضاً بادرة مناقشات مستقبلية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقلّص وجودها أكثر في الشرق الأوسط – وما إذا كان هذا الأمر ينذر بدورٍ إقليمي أوسع لإسرائيل. في مقابلة أجرتها صحيفة “نيويورك تايمز” مع بينيت وتم توقيتها بالتزامن مع وصوله إلى واشنطن، صرّح بينيت قائلاً إن “إسرائيل هنا. ونحن مرساة الاستقرار والاستعداد لتأدية هذه المهمة من أجل الحفاظ على أمان هذه المنطقة”.
هل حان الوقت لخطة ثانية بشأن إيران؟
كان بينيت قد أوضح، قبل أن يغادر إسرائيل، أن القضية النووية الإيرانية ستكون أولويته القصوى خلال اجتماع البيت الأبيض. فالأمريكيون والإسرائيليون على حدٍّ سواء يزدادون ريبةً بشأن إمكانية تحقيق تقدمٍ في محادثات فيينا التي طال أمدها، لا سيما مع وصول حكومة ابراهيم رئيسي المتشددة إلى الحكم في إيران.
كان الغرض من محادثات فيينا هو توقيت رفع العقوبات الاقتصادية بالتزامن مع اتخاذ إيران الخطوات اللازمة لمعاودة الامتثال لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» الموقعة عام 2015. لكن العملية تعثرت لا بل تراجعت خلال الأشهر الأخيرة. فإيران لم تقلّص مطلقاً أنشطتها إلى الحدود المنصوص عليها في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بل كثّفت إلى حدٍّ كبير جهودها لتخصيب اليورانيوم، ما دفع الكثيرين إلى التشكيك في ما ستفعله الولايات المتحدة إذا ما مضت حكومة رئيسي الجديدة قدماً نحو تجاوز العتبة نووية. لقد كرر بايدن الشهر الماضي علانية أن إيران لن تحصل على قنبلة نووية “بوجوده”، ولكن كيف يؤثر الجدول الزمني النووي الإيراني المعجّل على الخطط الأمريكية من الناحية العملية؟
حتى لو استُئنفت عملية فيينا بطريقة أو بأخرى، يشك المسؤولون الإسرائيليون في فائدتها إذا غابت عنها الضمانات بإجراء محادثات متابعة تعزز وتطيل قيود «خطة العمل الشاملة المشتركة» على البرنامج النووي الإيراني. من هذا المنطلق، صرّح مسؤولون إسرائيليون أن بينيت سيحثّ بايدن على النظر في خطة بديلة (وعلى وجه الخصوص، يفضل بعض كبار أعضاء مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي «خطة العمل الشاملة المشتركة» المعيبة، حتى ولو كان ذلك فقط من أجل شراء الوقت اللازم لبلدهم لتطوير قدراتها الهجومية). وسوف يسعى بينيت إلى فهم المخططات الأمريكية بشكل أفضل قبل السعي إلى تكثيف المشاورات الثنائية بهذا الشأن.
في الوقت نفسه، قال لصيحفة “نيويورك تايمز” إن إسرائيل ستفكر في المشاركة في “تحالف من الدول العربية العقلانية” التي تسعى إلى لجم إيران. وقد أكّد مسؤولون إسرائيليون هذه الفكرة في الجلسات الخصوصية، وتحدثوا عن تعزيز التعاون في المجال السيبراني والاستخباراتي والدفاع الصاروخي مع الحكومات العربية برعاية أمريكية. كما أوضح بينيت لصحيفة “تايمز” أن إسرائيل ستواصل حرب الظل الطويلة مع إيران، وهو ما سمّاه بـ “أمور المنطقة الرمادية”.
لكنّ الولايات المتحدة لم تفقد بعد الأمل من فيينا، ولذلك قد لا تكون مستعدة للالتزام بخطة بديلة. وعلى حد قول المسؤولين الأمريكيين، “نحن متشائمون، لكننا لا نرى أن فيينا أصبحت خارج المعادلة بعد”. من شأن هذه الحقيقة، مقرونةً بالشكوك حول نوايا إيران في ما يخص المحادثات، أن تحثّ بايدن وبينيت للتركيز على السيناريوهات بدل القرارات – وهذه مناقشة يمكن أن تُستكمل في اجتماعات منفصلة بين كبار المساعدين من الجانبين. ومن المفترض أيضاً أن يناقش الرئيسان دور إيران الإشكالي في المنطقة.
تفعيل التدرج في القضية الفلسطينية
في الوقت الراهن، لا تسعى إدارة بايدن إلى حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني – فالهوة الموجودة بين الأطراف بشأن القضايا الأساسية كبيرة جداً، وثمة أولويات كثيرة أخرى تتنافس على اهتمام الرئيس. إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل تؤمنان كلتاهما بالحاجة إلى التقدم التدريجي.
يعلم بينيت أن الديمقراطيين يعتبرون مثل هذا التقدم دلالة على عودة التعاون بين الحزبين. لكنه هو أيضاً منشغلٌ بأولويات ملحّة أخرى، ولا سيما جائحة “كوفيد-19”. أضف إلى ذلك أن المسؤولين الإسرائيليين المطّلعين على طريقة تفكير بينيت أعربوا عن قلقهم من أن يستغل نتنياهو أي تواصل مع الفلسطينيين كأداة لإسقاط حكومة الائتلاف الهشة. فمن الخطوات الدبلوماسية التي يمكن اتخاذها مثلاً إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، التي تعمل منذ فترة طويلة كبعثة دبلوماسية أمريكية منفصلة للفلسطينيين – وهذا تمييز ذو أهمية رمزية تم إلغاؤه عام 2019 حين انضوت الشؤون الفلسطينية تحت سفارة تل أبيب المنقولة. وفيما اعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن مسألة القنصلية ستعالَج بعد أن تقرّ حكومة بينيت الجديدة ميزانيتها الأولى في وقت لاحق من هذا العام، يقول كبار المسؤولين الإسرائيليين الآن إن بينيت يريد تحاشي هذه المسألة برمّتها.
الاقتصاد الفلسطيني هو مسألة رئيسية أخرى. فقبل أن يصبح بينيت رئيساً للوزراء، تحدّث عن إجراء تحسينات اقتصادية كبيرة في مدن الضفة الغربية وضواحيها، مشيراً إلى مقترحاته بـ “حكم ذاتي على المنشطات”. لكنه التزم الصمت بهذا الشأن إلى حدٍّ ما منذ تولّيه منصبه، وركّز بدلاً من ذلك على غزة. وإضافةً إلى الرد على الهجمات بالصواريخ والبالونات الحارقة على طول تلك الحدود خلال فترة ولايته، أبرم بينيت اتفاقاً مع الأمم المتحدة وقطر في نهاية الأسبوع الماضي لتزويد القسائم إلى مئة ألف من سكان غزة الفقراء، متفادياً الحاجة إلى إرسال الأموال النقدية إلى “حماس”. وعلى سبيل الانتقام، نظّمت الحركة الإرهابية مظاهرات عند السياج الفاصل في غزة في محاولة واضحة لإبطال صفقة القسائم وإفساد زيارة بينيت إلى واشنطن.
في غضون ذلك، يبدو أن بعض الخطوات الإسرائيلية في الضفة الغربية أربكت إدارة بايدن، ولا سيما القرار المتخذ قبل بضعة أسابيع بالمضي بخطط بناء مئات الوحدات السكنية الجديدة خارج الجدار الأمني في مناطق “خارج التجمعات الاستيطانية” تُعتبر بالعادة أجزاءً محتملة من الدولة الفلسطينية المستقبلية. فهل سيعالج فريقا بايدن وبينيت نقطة الاحتكاك المحتملة هذه عبر التوصل إلى تفاهمات هادئة بشأن النشاط الاستيطاني في المستقبل؟
أما بالنسبة إلى العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، فقد تجنّب بينيت أن يرتبط اسمه عن كثب بهذا الملف، لذلك من الممكن أن يطلب من وزير الدفاع بيني غانتز أن يكون الشخص المسؤول بحكم الأمر الواقع عن التواصل مع المسؤولين الفلسطينيين. فقد اعتاد الفلسطينيون رؤية وزراء الدفاع الإسرائيليين كمحاورين رئيسيين بسبب البعد الأمني الضخم للعلاقة بين الجانبين وواقع أن القضايا المدنية الفلسطينية غالباً ما تندرج ضمن اختصاص جيش الدفاع الإسرائيلي. فضلاً عن ذلك، يبدو غانتز متشوقاً للاضطلاع بدور شخصية رائدة في مجال السياسات في وقتٍ أصبح فيه بينيت ولبيد هما محور الحكومة الجديدة.
الخاتمة
ما من أدنى شك بأن بايدن وبينيت سيشدّدان على الحاجة إلى تغيير لهجة العلاقة بطريقة بنّاءة. والسؤال هو ما إذا كان هذا الجهد سيترجَم إلى علاقة ثقة شخصية تتيح لكبار مستشاريهما التعامل بهدوء مع الخلافات الثنائية بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية. فإذا كان الحليفان عاجزين عن إسداء المشورة لأحدهما الآخر بشأن إيران وسياسة التدرج الفلسطينية وغيرها من القضايا، قد تخرج خلافاتهما قريباً إلى العلن وتُنهي “شهر العسل” الحالي. أما إذا نجحت القوى الكبرى التي تحدد شكل التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط في إعطاء إسرائيل أهميةً أكبر في حسابات واشنطن الإقليمية، قد تطغى هذه الضرورة الاستراتيجية على أي خلافات ثنائية بشأن السياسات في المستقبل.