تأثير أفغانستان: ماذا يجري عندما تخرج إسرائيل من الضفة الغربية؟
عينات كورتس – باحثة في معهد دراسات الأمن القومي
الأحداث التي رافقت الانسحاب الأميركي من أفغانستان أدت إلى تبلور وعي في الساحة الدولية أن ما حدث هو دليل على ضعف أميركي وضعف الأنظمة التي جرت هندستها بما يتلاءم مع النمط الغربي. في المقابل تتبلور سردية بشأن قوة التحمل الاستراتيجي للأطراف الجهادية وقدرتها الكبيرة على الصمود وإصرارها. والثابت أن هذه السردية هي مصدر إلهام لـ”حماس” والجهاد الإسلامي في الساحة الفلسطينية. على هذه الخلفية يُطرح السؤال: هل من المتوقع حدوث سيناريو في الساحة الفلسطينية مثل الذي حدث في أفغانستان، عندما تُخلي إسرائيل مناطق في الضفة الغربية في إطار اتفاق مع السلطة الفلسطينية؟
علينا الأخذ في حسابنا أن انسحاباً إسرائيلياً من الضفة الغربية أو من أجزاء كبيرة منها سيثير عدم الاستقرار في الساحة الفلسطينية، على الأقل في المدى المباشر والقصير، وبالتأكيد سيشجع “حماس” على محاولة توسيع نطاق سيطرتها. ومع ذلك:
سيطرة “حماس” إذا حدثت ومتى، لن تتحقق من دون صراع بين قوات الحركة وبين قوات “فتح”/السلطة. (بالإضافة إلى ذلك يمكن التقدير أن محاولة “حماس” توسيع سيطرتها إلى الضفة الغربية ستترافق مع اشتعال ساحة غزة أيضاً).
من المتوقع أن يتخذ الصراع بين الذراع العسكرية لـ”حماس” وقوات السلطة الفلسطينية في ظروف انسحاب إسرائيلي واسع من الضفة طابع حمام دم. البنية التحتية العسكرية للأجهزة الأمنية للسلطة راسخة وقوية أكثر من “حماس” في الضفة الغربية، ومن المعقول ألّا تقف إسرائيل موقف المتفرج، بل ستساعدها.
طبعاً لا يمكن استبعاد إمكان تفكّك الأجهزة الأمنية. وسيكون معنى ذلك فقدان سلطة مركزية في الضفة. هنا يمكن أن تتطور عدة سيناريوهات، بينها:
أن يتوحد جزء من الأجهزة الأمنية مع ميليشيات “فتح” في صراع مشترك ضد “حماس”؛ 2- دخول الفصائل في صراع قوة ضد بعضها البعض بحسب ولاءاتها الإقليمية والعشائرية وعلاقتها بمراكز القوة في صفوف السلطة.
من المعقول الافتراض أن الصراع الذي سينشأ في الضفة الغربية سينزلق إلى أراضي إسرائيل، لأن عدم وجود سلطة مركزية سيطلق جماح العناصر المتطرفة، أو بهدف التسبب بتصعيد في الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية.
تدل هذه المعطيات الإقليمية، التي ستجر إسرائيل أو ستجبرها على التدخل إذا انزلق عدم الاستقرار والخصومة الداخلية الفلسطينية إلى أراضيها بعد انسحاب واسع من الضفة الغربية، على اختلاف جوهري بين وضع إسرائيل في المناطق الفلسطينية وبين وضع الولايات المتحدة في أفغانستان. تستطيع الولايات المتحدة مغادرة أفغانستان من دون النظر وراءها، سواء بالنسبة إلى مكانتها كقوة عظمى (تستطيع أن تسمح لنفسها بأن تفعل ما تشاء)، أو لأنه لا يوجد قُرب جغرافي بينها وبين أفغانستان. في مقابل ذلك لا يفصل بين إسرائيل وبين المناطق الفلسطينية محيط. إسرائيل ستكون متأهبة على طول الحدود مع الدولة الفلسطينية إذا قامت، ومن المعقول أن تتدخل وترد إذا برزت تهديدات لأمنها.
بالإضافة إلى ذلك: محاولات طرح تداعيات الحدث الأفغاني على ما سيحدث مستقبلاً في الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية للتحذير من مغبة إخلاء مناطق تتركز على الناحية الأمنية. لكن ليس من الصائب التركيز على هذه الناحية فقط. يجب الأخذ في الحسبان الوضع الحالي في ساحة النزاع الذي تنزلق إسرائيل في إطاره إلى واقع الدولة الواحدة – مع كل تداعياته السياسية – الاجتماعية والقيم السلبية التي ترافقه. ويجب موازنة هذه التداعيات مع التداعيات الإيجابية للانفصال عن الفلسطينيين، سواء بالنسبة إلى ترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل، وتسوية المنظومة السياسية – الاجتماعية في إسرائيل نفسها، أو حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في المدى البعيد، وفي هذا الإطار تحصين موقع إسرائيل في المنطقة.
فيما يتعلق بالناحية السياسية – من المهم رؤية الاختلاف بين الحدثين. مشهد الانسحاب من أفغانستان يثير حرجاً في أوساط الإدارة الأميركية والجمهور الأميركي، لكن ليس من المتوقع بروز تمرد أو اضطرابات واسعة النطاق مع الانسحاب وضده. في مقابل ذلك، يمكن الافتراض أن إخلاء الضفة الغربية، وأي حديث فعلي عن نية القيام بذلك، سيثيران اضطرابات شعبية وسياسية واسعة في إسرائيل. وستكون إسرائيل بحاجة إلى الكثير من التصميم وطول النفَس والشجاعة السياسية من أجل تهدئة الأجواء وتحقيق قرارات الإخلاء.
قبل كل شيء يجب استخلاص الدروس بشأن صلاحية الضمانات الدولية والاعتماد على قوات الأمن الفلسطينية، وتحديداً فعالية التدريب والإعداد اللذين قدمتهما وتقدمهما أجهزة دولية، والتي تشكل غطاء جيداً لكنْ فارغ المضمون. من الصعب التقدير أن القوات المحلية ستصمد في وجه الأحداث في يوم تنفيذ أمر الإخلاء. لذلك فإن التطورات في أفغانستان تبرر المطالبة الإسرائيلية المعروفة بأنه في أي خطة تسوية تشمل إخلاء في الضفة الغربية سيحافظ الجيش الإسرائيلي على حرية العمل العسكري في المنطقة إذا احتاج الأمر إلى ذلك. ومن الصعب التقدير أن إسرائيل ستسمح لـ”حماس” بالسيطرة على الضفة والمقاطعة كما سيطرت حركة طالبان على كابول.
لكن هذا كله يجب ألّا يمنع السعي لتسويات سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين تؤدي إلى الانفصال وخلق واقع كيانين سياسيين منفردين. أيضاً الحلول التي يقدمها معارضو الانفصال للوضع القائم لا تضمن عدم وجود تحديات أمنية. في جميع الأحوال من الأفضل أن يحدث الانفصال بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية ضمن إطار تفاهمات مرفقة بأفق سياسي.