رضوان الذيب- الديار-مانشيت
وعود أميركية باستثناءات من «قيصر» ودعم فرنسي وصمت سعودي وانفتاح على دمشق
بيان وزاري مقتضب وفقرة المقاومة كما وردت في حكومتي الحريري ودياب
جعجع سيعارض بهدوء ويحجب الثقة وباسيل سيمنحها والمحروقات التحدي الأكبر
لم تواجه حكومة في تاريخ لبنان منذ الاستقلال وحتى اليوم الأول لولادتها هذا الكم الكبير من الملفات المتفجرة والآلغام كما واجهته حكومة الرئيس نجيب َميقاتي المطوقة بلهيب المحروقات وفقدان الخبز والادوية والاحتكارات وتراجع سعر الصرف وتعثر القطاع المصرفي وموجة اضرابات مطلبية تربويا ومعيشيا وشلل في مؤسسات الدولة وفلتان أمني وهجرة خطرة، والأهم تداعيات انفجار المرفأ والآخطر ان هذه الحكومة قد يكون عمرها الأطول في تاريخ الحكومات لأنها قد تدير الفراغ لسنوات في حال تعذر اجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، وهذا السبب الأساسي والمركزي وراء تمسك الأطراف بحصصها لوضعها هذا الاحتمال في حساباتها. ولذلك المطلوب من حكومة ميقاتي التواضع والاستفادة من اجواء الارتياح الشعبي الواسع الذي رافق التأليف وعدم فقدانه بعد اسبوع بتكبير مروحة الانجازات والامال والأحلام وإعطاء الوعود لان الحكومة «مجبورة وبالاكراه» على تغطية قرار رفع الدعم غير الشعبي مهما كان موقفها من الموضوع لان الاحتياطي وصل إلى الخط الأحمر. وألمح الى ذلك ميقاتي بأن رفع الدعم سببه عدم وجود المال وليس رغبة من أي فريق، وهذا يفرض مصارحة الناس بالحقائق والاسراع في إنجاز بعض الخطوات التي تلامس اوجاع الناس كالبطاقة التمويلية، لأن عودة البلد إلى مرحلة ما قبل انتفاضة ١٧ تشرين الأول مستحيل، وما سبقها مرحلة ذهبت ولن تعود مطلقا ، ولذلك فإن الحكومة كانت أمس واقعة تحت زنار نار المحروقات من كل الجهات وتفاقمت بشكل غير مسبوق، مما يفرض على الحكومة اتخاذ القرار السريع في هذا المجال مهما كانت التبرعات حتى لو حسم الاتجاه لرفع الدعم.
وتدعو مصادر مطلعة إلى طي مرحلة تأليف الحكومة وما رافقها من مناكفات وخلافات وفتح صفحة جديدة والتعويل على الدعم الداخلي والعربي الذي صدر فور إعلان الولادة رغم الصمت السعودي حتى الآن، في مقابل دعم اميركي روسي صيني فرنسي وأوروبي شامل ووعود أميركية فرنسية للبنان بتسهيل حصوله على ٣ مليارات دولار مرهونة ببرنامج حكومي إصلاحي، على ان تكون الخطوة الأولى للحكومة التفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للاسراع في تقديم القروض والهبات والمساعدات، حيث اظهر مسار الأحداث وجود حرص دولي على منع تدهور الامور نحو الانهيار الشامل والفوضى، وترجم بوعد اميركي من وفد الكونغرس الذي زار لبنان مؤخرا باستثنائه من مروحة واسعة من قانون قيصر ظهر على الفور بالاجتماع الرباعي في عمان لتأمين استجرار الغاز المصري والكهرباء من الاردن عبر سوريا بوابة العبور الوحيدة للبنان إلى الخارج ، وهذا هو قدر التاريخ والجغرافيا بعيدا عن مزايدات في هذا المجال من قوى كانت شريكة لسوريا في خراب البلد واللبنانيون يعرفون كل التفاصيل، فيما مواقف بعض القوى المسيحية لا تقدم او تؤخر في هذا المجال. وقد أعلن امس موقع صحيفة «واسنطن فري بيكون» ان إدارة بايدن سترفع الكثير من العقوبات عن سوريا من أجل وصول الغاز المصري والكهرباء إلى لبنان، وهذا ما سيناقشه الكونغرس خلال الأيام القادمة.
وتضيف المصادر، ان كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن التواصل مع جميع الدول العربية مؤشر إيجابي يرمز إلى بداية مقاربة مختلفة للعلاقة مع سوريا، وهو قادر على تدوير الزوايا لمصلحة العلاقة بين البلدين. وتكشف المعلومات ان الرئيس ميقاتي هو من نصح العديد من زواره منذ فترة بقراءة مقالات صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية عن تطور العلاقات بين سوريا وأميركا، حتى أن الرئيس الأسد كشف للوفد الدرزي الذي زاره مؤخرا عن رسائل أميركية وموفدين إلى دمشق رابطا عودة العلاقات بالانسحاب الأميركي الشامل من بلاده، كما ان الانفتاح السعودي على سوريا لا يحتاج إلى براهين في ظل التسهيلات الكبيرة للدولة السورية من الرياض وتخفيف اعباء الحصار الاقتصادي عنها، وهذا َالطريق بدأته الإمارات منذ سنوات، والاردن سلكه مؤخرا مع ارتفاع حجم الاستيراد والتصدير بين البلدين عبر معبر نصيب، اما الرئيس المصري فقال لمسؤول لبناني «صمود دمشق منع سقوط القاهرة، ولو شعرنا يوما أن دمشق ستسقط بيد الاخوان المسلمين لكان الجيش المصري جاهز للتدخل فورا» هذا بالإضافة إلى وصول بواخر النفط الإيرانية بشكل منتظم إلى بانياس مؤخرا، مما يؤكد غض نظر اميركي عن تطبيق قيصر ستستفيد منه حكومة ميقاتي حتما، وعندئذ لن يشكل التقارب مع سوريا اي احراج لميقاتي داخليا وعربيا ودوليا، وهذا يفرض فتح الحدود بين البلدين. وكان وزير الداخلية في حكومة حسان دياب محمد فهمي قد تواصل مع وزير الداخلية في الحكومة السورية من أجل فتح الحدود، وقد أنجزت كل الإجراءات لذلك، ويبقى الموعد المطلوب للتنفيذ مرهونا بحكومة ميقاتي واقدامها على هذه الخطوة، هذا بالإضافة إلى أن أداء ميقاتي في التشكيل وقدرته على التوازن مع عون وَمقارعة حزب الله وعدم التفريط بحقوق الطائفة السنية فرصة للرياض ولدول الخليج العربي لاعادة تقييم موقفها من لبنان إيجابيا، وهذا ما يطمح اليه ميقاتي وبأن تكون زيارته الخارجية الاولى إلى الرياض حسب المصادر المطلعة فيما مواقف جميع الدول العربية داعمة للبنان للخروج من ازمته.
الاوضاع الداخلية
وفي موازاة الدعم الدولي والعربي، فإن الحكومة تحظى بدعم داخلي من كل الأطراف يبقي مرهونا بالتطبيق على ارض الواقع والابتعاد عن الخلافات والتسريبات، رغم ان حكومة ميقاتي هي «الخرطوشة الأخيرة « لإنقاذ النادي السياسي الحالي برمته الممثل بالحكومة، وبالتالي فإن نجاح الحكومة قد يشكل فرصة للطبقة السياسية لاعادة انتاج نفسها في الانتخابات النيابية في ٨ أيار ٢٠٢٢ والتحكم بانتخابات رئاسة الجمهورية، والا فان هذه الطبقة مجتمعة من عون الى بري والحريري وجنبلاط وباسيل وفرنجية «وكل الجوقة» سيواجهون اوضاعا انتخابية صعبة جدا، وبالتالي وحسب المصادر فإن الحكومة يجب أن تبدأ بالملفات الحياتية، وتحديدا ملف المحروقات ووقف طوابير الذل واتخاذ إجراءات فاعلة وعملية في هذا المجال وبشكل سريع، ومحاولة الاستفادة من الدعم الإيراني في ظل معلومات عن اطلالة قريبة لسماحة السيد حسن نصرالله لإعلان آلية توزيع المازوت الإيراني ليصل إلى كل اللبنانيين الراغبين بذلك، على ان تكون الاولوية للافران والمولدات الكهربائية والمستشفيات والمشاريع الزراعية وكل ما يؤمن حياة المواطن، وهذا هو الأمل الوحيد للحل وتخفيض كل الأسعار نسبيا في الأشهر الثمانية القادمة، علما ان بواخر أخرى انطلقت باتجاه بانياس لتوزيعها في لبنان، والجميع يعلم ان البلاد مقبلة على موسم الشتاء مما يضاعف استخدام مادة المازوت، والمحروقات هي العقبة الجوهرية الأنية التي قد تطيح كل الاجواء الايجابية التي رافقت تأليف الحكومة، هذا بالإضافة إلى وضع خطة سريعة للنقل، ومعالجة بدء العام الدراسي ورواتب القطاع العام وتفعيل الرقابة على الأسعار وضرب الاحتكارات، ومعالجة هذه الملفات بحاجة إلى أموال سريعة أبدى المجتمع الدولي استعداده لتقديمها شرط تحقيق الإصلاحات وذهاب الأموال الي مستحقيها. وهذه المسائل يدركها ميقاتي جيدا، وأولى خطواته ستكون نحو البنك الدولي الذي سيقدم التسهيلات بقرار اميركي بعد تخفيف الحصار الذي طوق لبنان وشله منذ سنوات. ومن مهام الحكومة الأساسية والمركزية اجراء الانتخابات النيابية في ظل اصرار دولي على اجرائها في حضور المنطمات الدولية لان مطلب حصولها تحت إشراف الامم المتحدة او مراقبين دوليين مستحيل كما يرغب البعض وتحديدا المجتمع المدني، لأن القوى السياسية الاساسية ترفض هذا التوجه، فيما الانتخابات البلدية باتت بحكم التمديد للبلديات لسنة رغم اصرار عون على اجرائها في آخر عهده وتحقيق هذا الإنجاز.
وتبقى المسالة المركزية الأخرى قضية الكهرباء حسب المصادر، وتؤكد ان استجرار الغاز المصري والكهرباء من الاردن سيخففان عن لبنان اعباء كبيرة والحكومة ستتفاوض مع البنك الدولي لتمويل المشروع، وهذا ما سيرفع التغذية الكهربائية بالتزامن مع تراجع الفاتورة النفطية. وربما هناك «ضارة نافعة» جعلت من لبنان يسلك طرقات عملية في ملف الكهرباء بعيدا عن المفسدين في الأرض، علما ان عقد الباخرتين التركيتين «غول ١» و»غول ٢» ينتهي هذا الشهر.
اما على صعيد البيان الوزاري، فسيكون حسب ما تؤكد المصادر مقتضبا وواقعيا وسينجز سريعا مع اعتماد الفقرة المتعلقة بالمقاومة كما وردت في حكومتي سعد الحريري وحسان دياب وتنص «اما في الصراع مع العدو الاسرائيلي، فإننا لن نألو جهدا ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لم يزل يطمع بارضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استنادا إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر وذلك بشتى الوسائل المشروعة مع التأكيد على الحق للمواطنات والمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
ثقة «التيار الوطني» محسومة
كما تؤكد المصادر ان الثقة للحكومة مضمونة مئة في المئة من الثنائي الشيعي وتيار المستقبل وجنبلاط والمردة ونواب مستقلين، وحتى من التيار الوطني الحر على الرغم من إعلانه انه ينتظر البيان الوزاري للحكومة ليحدد موقفه من اعطاء الثقة او حجبها، لكن المصادر تؤكد ان ثقة التيار محسومة مئة في المئة بقرار من عون أبلغه إلى ميقاتي قبل إعلان الولادة وبيان التيار ليس إلا مناورة سياسية. اما القوات اللبنانية فستعلن موقفها بعد إعلان البيان الوزاري، والمرجح عدم الثقة. وهذا َما أشار اليه الدكتور سمير جعجع، «أنه ليس هناك ما يشجع على اعطاء الثقة», كاشفا انه لن يعارض بالمطلق بل سيصفق للحكومة حيث الانجازات والنجاح وسنعارض حيث الاخفاقات. اما حزب الكتائب فهو المعارض الأساسي لكنه لا يملك كتلة نيابية بعد استقالة نوابه مع نواب اخرين، وبالتالي فإن الحكومة أمام امتحانات عسيرة وتبقى العبرة بالتنفيذ ومعرفة كيفية الاستفادة من الدعم الخارجي.