أزمة المستشفيات الجماهيرية في إسرائيل.. الخلفية والتبعات


وليد حباس

في 25 آب الفائت، بدأت سبع مستشفيات إسرائيلية إضرابا مفتوحاً وانتقلت إلى وضع طوارئ وتوقفت عن استقبال مرضى جدد باستثناء الحالات الحرجة جدا. واستمر الاضراب حوالي 10 أيام قبل أن ينتهي يوم 5 أيلول بعد جولة لقاءات بين مديري المستشفيات ووزارتي المالية والصحة. وعكس الإضراب عمق الأزمة المالية التي تعاني منها هذه المستشفيات، بالإضافة إلى الخلافات السياسية المتعلقة بتنفيذ وعود كانت الحكومة السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو قد وعدت بها. ففي وقت سابق من شهر كانون الثاني من هذا العام، تم توقيع اتفاق ما بين هذه المستشفيات ووزارة الصحة الإسرائيلية إبان عهد حكومة نتنياهو. بموجب هذا الاتفاق، وعدت الحكومة بأن تنقذ المستشفيات من أزمتها المالية المستفحلة من خلال منحها حوالي 960 مليون شيكل على دفعات شهرية. حتى إعلان الإضراب، تم تحويل حوالي 300 مليون شيكل فقط، ثم توقف الدعم المالي في بداية شهر تموز مع تغير الحكومة الإسرائيلية.

هذا الإضراب له تبعات حقيقية على الجهاز الصحي في إسرائيل، خصوصا في ظل الموجة الرابعة من كورونا. كما أنه يعكس عمق الأزمة المالية التي تعيشها مستشفيات إسرائيلية كبرى، الأمر الذي يجعلها باستمرار متعلقة بمساعدات مالية إنقاذية قد تهدد قدرتها على الاستمرار في العمل في حال تم إيقافها.

المستشفيات التي انضمت للإضراب هي مستشفيات جماهيرية. في إسرائيل، هناك حوالي 45 مستشفى مقسمة إلى نوعين: أولا، هناك المستشفيات الخاصة، والتي تعمل كشركة ربحية ومملوكة من قبل رأس المال. ثانيا، هناك المستشفيات الجماهيرية أو الحكومية والتي بلغ عددها العام 2019 حوالي 27 مستشفى وهي تضم ثلاثة أصناف من المستشفيات: 11 مستشفى مملوكة من قبل الحكومة (مثل مستشفى رمبام في حيفا)، 8 مستشفيات مملوكة من قبل جهاز الخدمات الصحية “كلاليت” (مثل مستشفى سوروكا في بئر السبع)، و8 مستشفيات مصنفة جماهيرية- مستقلة بمعنى أنها تابعة لجمعيات أو مؤسسات خيرية. كل هذه المستشفيات الجماهيرية، بأنواعها الثلاثة، تخضع إلى آليات ضبط ورقابة من قبل وزارة الصحة الإسرائيلية. لكن عندما يتعلق الأمر بالميزانيات، فإن الأنواع الثلاثة من المستشفيات الجماهيرية تتلقى دعما ماليا مختلفا، بحيث أن المستشفيات الجماهيرية- المستقلة، أي تلك التي تتبع لجمعيات خيرية، تعاني أكثر من غيرها من نقص في التمويل.

في العام 2017، بلغ دخل المستشفيات الجماهيرية كافة، بأنواعها الثلاثة، حوالي 22.7 مليار دولار. بينما مصاريفها في تلك السنة بلغت حوالي 28 مليار دولار. هذا يعني أن هذه المستشفيات مجتمعة تعاني من عجز يقدر بحوالي 5.5 مليار شيكل في كل عام. بيد أن هذا العبء لا يتوزع بشكل متساو على كل المستشفيات، بحيث أن المستشفيات المصنفة جماهيرية-مستقلة هي أكثر من يعاني من هذا العجز المالي كونها لا تتبع إلى صناديق المرضى بشكل مباشر. المستشفيات السبعة التي بدأت بالإضراب هي مستشفيات جماهيرية- مستقلة وتشمل: هداسا، شعاري تصيدق، معياني هيشوعا، لينيادو، بالإضافة إلى ثلاثة مستشفيات في الناصرة. وبشكل عام، دخل المستشفيات هذه يأتي من ثلاثة مصادر: أولا، تبرعات من يهود وغيرهم في العالم. ثانيا، تحويلات من صناديق المرضى (كلاليت، مئوحيدت، ليئومي ومكابي) لقاء شراء خدمات. ثالثا، دعم مالي من الحكومة.

على العكس من المستشفيات الحكومية (مثل رمبام في حيفا) والتي ارتفع الدعم الحكومي المخصص لها من 760 مليون شيكل العام 2013 إلى حوالي 1860 مليون شيكل العام 2019، فإن الدعم الحكومي للمستشفيات المصنفة جماهيرية- مستقلة (والتي بدأت سبعة منها إضرابا) ارتفع من صفر في العام 2013 إلى حوالي 330 مليون شيكل فقط في العام 2019. التمويل الإنقاذي الذي وعدت به حكومة نتنياهو في كانون الثاني من هذا العام كان من المفترض أن ينتشل هذه المستشفيات من حافة الانهيار، لكنه لا يحل الأزمة المالية بشكل جذري. في خلفية الأزمة المالية لهذه المستشفيات، هناك تاريخ طويل من التجاذبات ما بين المستشفيات، صناديق المرضى، ووزارة الصحة. مثلا، ارتفاع غلاء المعيشة نتيجة سياسات نتنياهو النيو ليبرالية في العقد الأخير كان يعني أن تكلفة يوم واحد من النوم في المستشفى قد ترتفع الأمر الذي قد لا يؤثر إيجابا على دخل المستشفى لكنه يؤثر سلبا على صناديق المرضى التي تدفع تكلفة هذه اليوم.

في العام 2015، حاول وزير الصحة أن يلجم الارتفاع السنوي في تكلفة يوم العلاج داخل المستشفى، الأمر الذي كان سيترك المستشفيات الجماهيرية في أزمة مضاعفة، لكن الأمر لم يتم بعد ضغوطات عديدة. من جانب آخر، فإن العجز المالي لكافة المستشفيات الجماهيرية- المستقلة بلغ في العام 2017 حوالي 640 مليون شيكل سدت الحكومة منه حوالي 200 مليون فقط. هذه السياسة الحكومية فتحت المجال لتوقيع اتفاقيات رأسية ما بين الحكومة وكل مستشفى جماهيري- مستقل على حدة بحيث ترسل لها دفعات سنوية خاصة مقابل إجراء إصلاحات داخلية تقلل من طبيعتها الخيرية. مثلا، في العام 2014، وعدت حكومة نتنياهو بمنح مستشفى هداسا مبلغ 1.4 مليار شيكل حتى العام 2020، مقابل قيام هداسا بتغيير تركيبة مجلس إدارته، تقليص النفقات، تسريح موظفين، وإخضاع محاسبته الداخلية لرقابة الحكومة. هذه الأموال لا تكفي بطبيعة الحال لسد الأزمة المالية التي تتفاقم سنويا بسبب غلاء الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة. في العام 2019، توجه مدير هداسا إلى السلطة الوطنية الفلسطينية برسالة استجداء، يطالبها بعدم إيقاف التحويلات الطبية الفلسطينية إليه في ظل رد الحكومة الفلسطينية على الخصومات الإسرائيلية التعسفية من أموال المقاصة.

وصل إضراب المستشفيات الى نهايته يوم 5 أيلول بعد أن وعدت وزارتا المالية والصحة الإسرائيليتان بدفع ما مجموعه 960 مليون شيكل للمستشفيات السبعة.  لكن جذور الإشكالية، وهي عدم قدرة مستشفيات كبرى على الصمود ماليا بدون دعم حكومي مستمر، لم تنته ومن المتوقع أن تبرز مجددا خطوات احتجاجية في المستقبل. مثلا، في مدينة القدس وضواحيها، يعتبر مستشفى هداسا ومستشفى شعاري تصيدق من أهم المجمعات الطبية والتي تستوعب الكم الأكبر من المرضى في هذه المنطقة. هذان المستشفيان ما زالا يعانيان من أزمات مالية، ويستعدان لخوض مفاوضات جديدة مع وزارتي المالية والصحة حول ميزانية العام القادم 2022.

 

Exit mobile version