المصدر: هآرتس
عاموس هرئيل – محلل عسكري
على الرغم من الكلام المعتاد، تبقى إسرائيل، عشية رأس السنة اليهودية، أقوى دولة في المنطقة. ولا تزال قوتها العسكرية هي الأعظم، كما اعتاد رئيس الحكومة السابق إيهود براك على القول، من طهران وصولاً إلى طرابلس في ليبيا. فالمكوّنات الأساسية للتفوق العسكري الإسرائيلي لم تتغير؛ تفوق الدولة وأجهزتها الأمنية في الاستخبارات والتكنولوجيا والموارد البشرية، بالإضافة إلى تأييد سياسي واقتصادي كبير من الولايات المتحدة.
لقد حافظت إسرائيل على تفوقها بسبب استعدادها لانتهاج سياسة نشطة. ويبدو هذا التوجه واضحاً جداً في العقد الأخير من خلال المعركة بين الحروب. لكن المثال الأفضل لهذه السياسة جاء تحديداً قبل 14 عاماً مع تنفيذ قرار رئيس الحكومة إيهود أولمرت شن هجوم جوي على منشأة نووية أقامتها كوريا الشمالية لنظام الأسد في شمال شرقي سورية. فلو لم يتم القضاء على المشروع النووي السوري لكان ميزان القوى في المنطقة مختلفاً للغاية.
مكوّن مهم آخر في هذه القوة هو أن إسرائيل، على الأقل ضمن حدود الخط الأخضر، هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ فالتغيير الذي حدث في السلطة هذه السنة في صناديق الاقتراع، وتنحي رئيس الحكومة بعد 12 عاماً أمضاها في منصبه هو مصدر قوة مهم للدولة. وكانت هذه المسألة موضوع تساؤلات في السنوات الأخيرة من حكم نتنياهو، فقد أدت محاولاته الحثيثة للتهرب من المحاكمة وحملته الممنهجة على المؤسسات القضائية إلى تآكل مناعة النظام الديمقراطي.
في الجانب السلبي من الميزان تبقى صعوبة تطوير رد شامل على التهديد الأساسي الذي يبنيه أعداء إسرائيل، وخصوصاً منذ حرب لبنان الثانية في سنة 2006، أي الصواريخ والقذائف المنحنية المسار. ففي حين تقدم المنظومات الاعتراضية – حيتس والعصا السحرية والقبة الحديدية- رداً فعالاً على إطلاق نار كثيف من قطاع غزة، إلاّ إنها من الصعب أن تحقق نتائج مشابهة في حال نشوب حرب مع لبنان مثلاً، أو في سيناريو آخر قد يكون محتملاً وهو نشوب حرب متعددة الجبهات تشهد إطلاق آلاف الصواريخ في آن واحد من لبنان وغزة وسورية.
يعاني الجيش الإسرائيلي مشكلات أُخرى: التراجع في مكانة القوات البرية وقدراتها، وتزايد الخوف من استخدام هذه القوات عند الحاجة في مناورة برية في أراضي الخصم، ونقص التدريبات لوحدات الاحتياط، وتراجع حوافز الخدمة التي يسعى المجندون من أصحاب المؤهلات العالية في الوحدات البرية للحصول عليها، وفجوة في فهم هيئة الأركان العامة لمواقف المواطنين الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تراجع ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي.
هذه باختصار صورة الوضع في الساحة الأساسية التي تشغل الحكومة والمؤسسة الأمنية في السنة المقبلة.
… لقد راكمت إسرائيل نجاحات لا بأس بها في إطار معركة بين الحروب، فقد حدّت من خطوات إيران في المنطقة، وأحبطت تهريب كميات من السلاح إلى حزب الله في لبنان في السنوات الأخيرة، وعطلت أيضاَ جزءاً من جهود تمركز المليشيات التي يشغلّها الحرس الثوري الإيراني في سورية.
لكن في مجال واحد تقترب إسرائيل من مفترق سيجبرها على إعادة التفكير في سياستها على الرغم من جهودها، فهي لم تكبح تماماً مسعى حزب الله وإيران لتأسيس خطوط إنتاج مستقلة لتحسين دقة الصواريخ التي يمتلكها الحزب. والمقصود هنا “مشروع الصواريخ الدقيقة” الذي بإمكانه تغيير ميزان القوى بين إسرائيل وحزب الله. وعلى ما يبدو فإن لدى اللبنانيين نحو 100 صاروخ دقيق أو أكثر. وفي حال استمرت هذه الترسانة في الازدياد فإنها ستتيح للحزب في حال نشوب حرب أن يصيب بدقة بنى تحتية وقواعد عسكرية في إسرائيل.
وعلى مدى سنوات لم تجازف إسرائيل بشن حرب استباقية لإحباط جهود التسلح وبناء القوة لدى خصومها باستثناء حادثتين في المجال النووي، هما قصف المفاعل العراقي (1981) والمنشأة السورية (2007). لكن مشروع الصواريخ الدقيقة يفاقم المعضلة لأنه يزيد بصورة كبيرة جداً في الخطر المحتمل على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهذه معضلة ستواجهها حكومة بينت – لبيد في السنوات المقبلة أو الحكومة التي ستتألف من بعدها.
حالياً تدّعي المؤسسة الأمنية أن حزب الله مشغول جداً في الأزمات الداخلية في لبنان وهو مرتدع عن الدخول في مواجهة إضافية مع الجيش الإسرائيلي. هذا تحليل منطقي، لكن دراسة المعارك الأخيرة في لبنان وغزة منذ سنة 2006 حتى اليوم تكشف أنه في جميع الحالات لم يقدّر الطرفان الوضع كما يجب، ولم يخططا مسبقاً للانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة.
… يتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها تغيراً مهماً. تأييد الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل واضح ولا يتزعزع، لكن هامش المناورة التي سيمنحها لها في حال نشوب مواجهة في المناطق الفلسطينية سيكون أقل مما كانت تعطيه إدارة ترامب. فخلال عملية حارس الأسوار تعرضت إسرائيل لضغط أكبر مما اعترف به الطرفان من أجل الموافقة بسرعة على وقف إطلاق النار.
وفي أي مواجهة مستقبلية ثمة إدراك بأن الإدارة الأميركية ستكون أكثر تشدداً حيال تقديم مساعدة أمنية سريعة، إذا كان المقصود سلاحاً هجومياً دقيقاً. ويعود السبب إلى صعود التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، الذي يمكن أن يضع عقبات أمام اتخاذ الكونغرس خطوة من هذا النوع. هذه ظاهرة لم تواجهها إسرائيل في حرب لبنان الثانية ولا في عملية الجرف الصامد، وهي ستقلّص من حرية عملها خلال الحرب