رمال جوني-نداء الوطن
أُسقط القناع عن الحكومة فولدت بعد مخاض عسير، تخلله عسر هضم اقتصادي، وسوء تغذية صحية، وحالة هذيان في الاسعار وصلت الى حد الفلتان. أما الدولار، فكان لاعب الشطرنج الأكبر، تمسك بزمام اللعبة وحلق، ساحباً معه كل شيء الى الهاوية.
عشرة اشهر من الانهيار الكامل عاش خلالها الناس جحيماً حقيقياً، سيناريو الافلاس كان مسيطراً على كل شيء، ومعه سيناريو الفوضى والذل، فشريط الأحداث كان حاملاً معه ازمات كالفطر، من دواء ومازوت ومياه وكهرباء وبنزين ودولار وغيرها، فهل ولادة الحكومة ستوقف هذا الانهيار وتلجم الدولار الذي، ما إن ولدت “المحروسة” حتى انخفض الى الـ16 ألف ليرة، وتهافت الناس على بيع ما بحوزتهم خوفاً من انهيار أكبر، وهل توقف الذل على محطات المحروقات؟ وهل تعيد الدواء الى ربوع الصيدليات بدلاً من مواصلة الناس حمل “روشتة” دوائهم والتنقّل بها من صيدلية الى مستوصف الى مركز رعاية صحية من دون جدوى، وتعمل على خفض الاسعار التي تحولت كلها سوق سوداء حيث وصل سعر جرّة الغاز الى 135 ألف ليرة وهي غير متوفرة، رغم أن سعرها الرسمي 90 ألفاً.
الكل اصيب بحالة هستيرية نتيجة ولادة الحكومة، لانها ستسحب ملعقة الذهب من فمهم، كيف لا وحتى شوفرية التاكسي اوقفوا مهنتهم وامتهنوا بيع البنزين في السوق السوداء؟ فهم “بيعبّوا وبيفضّوا” بنزين سياراتهم والتنكة بمليون ليرة، بل وصلت امس الى مليون ونصف مليون ليرة، ومن شجّعهم على الامر هم المغتربون واصحاب رأس المال، فتجارة البنزين أربح من “الشوفرة” على خط القرى.
الكل اصيب بالهستيريا، “الزعلان اكثر من الراضي”، وجوه متجهّمة سادت اعلان ولادة الحكومة، فالفلتان الحالي كان ارضاً خصبة لتجار السوق السوداء، وقد تحدّ الحكومة العتيدة من عملهم، غير أن الحديث الذي ساد بين الناس “بلد مفلس، شو رح تشيل الزير من البير”؟ في تأكيد على قناعة راسخة عند كثر ان الحكومة لن تكون افضل من سابقاتها، فالانهيار الحاصل برأيهم يحتاج معجزة، وربما الإستعانة بالفانوس السحري، فحجم الكارثة الحالية اكبر من قدرة اي حكومة، متكئين على فرضية “انهيار المؤسسات العامة والحكومية ومؤسسات الدولة الحيوية”، مردّدين “ولادة الحكومة جاءت لتخلّص على ما بقي من الشعب، فرفع الدعم سيكون الشمعة الأولى لدخول الحكومة الى السكة”، وهو ما يخشاه الناس ممّن سألوا: هل ستنخفض الاسعار ويتوفر البنزين وتصدر البطاقة التمويلية؟ اسئلة يدركون أن لا اجوبة عليها، طالما من يحكم البلد هم من دفعوا باتجاه الإنهيار.
لا شك ان الكل في حالة ترقب ما بعد ولادة الحكومة، والخطوات العملية التي ستصدر عنها، وإن كان لا احد يقتنع أن الوضع سيكون بخير، فقد خرج عن السيطرة وفق معظم الاهالي، وعملية شد الحبال لن تتوقف، “وحدهم المعتّرين يدفعون الثمن”، ويرى المواطنون أن خير الحكومة يبدأ مع خفض اسعار السلع الغذائية والتموينية وتوفر الدواء، ولكن كيف سيحصل ذلك ورفع الدعم سيكون بشارة الحكومة العتيدة، ما يعني ارتفاعاً إضافياً بالأسعار، فهل سنتحمّل بعد؟
لعبة الغميضة والقط والفأر والمناورات المدجّجة بالسلاح على محطات المحروقات لن تنتهي، وبحسب مصادر مواكبة فإن “الخطر اليوم يكمن في أن الفقر ارتفع والكل ينتظر البطاقة التمويلية ليصمدوا اكثر، غير أن الخشية من آلية توزيعها، ومن سيحصل عليها، وهل ستكون بطاقة انتخابية اسوة بالمازوت الانتخابي الذي ينتشر اليوم”؟
في الخلاصة، مشهد الطوابير امام محال الصيرفة خوفاً من انهيار الدولار اكثر يؤكد حجم الدائرة التي كانت تسيطر على السوق السوداء وتلعب بأعصاب الناس وصحّتهم، تماماً كما السلطة الفاسدة، فهل ستُخرج هذه الحكومة “الزير من البير” ام ستكون حكومة كلام وإعلام لا أكثر؟