بولا مراد-الديار
سؤال واحد بارز يؤرق الكثيرين اليوم: لماذا نجح نجيب ميقاتي بما فشل به سعد الحريري؟ سؤال قد يجد البعض له ألف جواب وجواب، فيما يعتبر البعض الآخر ان الجواب واحد هو ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يكن يريد الحريري بعدما اعتبر انه لم يبادله الوفاء الذي اظهره خلال محنته في المملكة العربية السعودية ، كما بعد تحوّل الخلاف بينه وبين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الى خلاف شخصي حاد. ليس نجيب ميقاتي الشخصية المفضلة للرئيس ميشال عون، ولم يكن متحمسا كما جبران باسيل لتكليفه لاعتبارهما ان اي رئيس من «نادي رؤساء الحكومات السابقين» سيعمد لتنفيذ اجندة هذا «النادي» التي تقوم بشكل اساسي على عرقلة مشاريعهما وخططهما لآخر سنة من العهد، والاهم التصدي لاي محاولة لاعادة تعويمه قبل اشهر معدودة على موعد الاستحقاق النيابي.
على كل الاحوال، سيُقال ويكتب الكثير عن علاقة عون- ميقاتي وعن امتدادها لعلاقة ميقاتي- باسيل، الا ان ما يجب التوقف عنده عشية انجاز عملية التشكيل بعد طول انتظار هو كيفية انعكاس نجاح ميقاتي اقله بالتأليف على مستقبل الحريري السياسي.
فرئيس «المستقبل» الذي اعلن نفسه مرشحا وحيدا لرئاسة الحكومة، كان «مستقتلا» للعودة الى السراي الحكومي قبل الاستحقاق النيابي لاغراء مناصريه ببعض الخدمات بعدما بات يفتقر بشدة للمال الانتخابي، خاصة بغياب اي دعم خارجي كان يشكل السند له في الاستحقاقات السابقة.
اليوم ومع تشكيل ميقاتي الحكومة، هو الذي بخلاف الحريري لا يفتقد المال، لكنه لطالما كان حريصا على عدم توزيعه يمينا ويسارا ما كان يحد من اعداد مناصريه، يبدو وضع الحريري اصعب من اي وقت مضى، خاصة وان رئيس «العزم» وجّه له ضربة قاسية في انتخابات العام ٢٠١٨ بتزعمه عاصمة الشمال طرابلس، وبالرغم من مساعيه الدؤوبة لاظهار نفسه داعما لميقاتي ومؤيدا لعملية تكليفه، الا ان منطق الامور كان يقول بأن الحريري بينه وبين نفسه كان يتمنى فشله بمهمته كي يعود الدور اليه، وقد ظهر ذلك جليا بتصاريح نواب وقياديي «المستقبل» الذين كانوا يتوقعون باستمرار اعتذار ميقاتي، وان كانوا يحمّلون «الثنائي» عون- باسيل كامل المسؤوليات بعرقلة التشكيل.
اليوم ومع انجاز رئيس «العزم «مهمته بنجاح، يفترض ان يجلس الحريري ومستشاروه والفريق المقرب منه لبحث خطة عملهم للمرحلة المقبلة. فهل يستمرون بدعم ميقاتي ام ينقلبون عليه؟ هل يعملون على عرقلة عمل حكومته من تحت الطاولة ام يشنون هجوما كبيرا بوجهها علنا، ما يخدمهم انتخابيا؟ كلها خيارات يفترض ان تبحث بكثير من التأن، خاصة وانه على حد تعبير مصادر سياسية مطلعة، فان مصير «الحريرية السياسية» بات مهددا اكثر من اي وقت مضى بغياب الحاضنتين الاقليمية والداخلية.
وتضيف المصادر «:بعد تحوّل الدور السعودي من حاضن بالكامل للحريري لحد الابوة الى معاد له ورافع للفيتوات بوجهه، كما مع تلاشي الاهتمام الدولي وبخاصة الاميركي- الفرنسي به، لا يبقى لوريث «الحريرية السياسية» الا الشارع السني ليعول عليه بغياب البديل الحقيقي القادر على اجتذاب هذا الشارع. الا ان غياب الادوات وحتى الخــطاب لاجتذاب هذا الشارع المنهك كغيره من الشوارع الطائفية بتأمين القوت اليومي ومقومات العيش، يجعل مهمة «المستقبل»، رئيسا وتيارا صعبة جدا ما يرجح تراجعا مدويا في شــعبيته وفي حجم كتلته النيابية، ما قد يجعله يسعى جاهدا، كما كتل واحزاب اخرى، لتمديد ولاية المجلس الحالي بأي طريقة من الطرق، خاصة ان ما يسري على «المستقبل» يسري على قسم كبير من الاحزاب الاخرى».
اذا هو هدف ثمين سجّله ميقاتي في مرمى الحريري، فهل تثبت الايام انه وضع المسمار الاخير في نعش «الحريرية السياسية» ام بالعكس تماما يكون قد سجّل هدفا في مرماه اذا فشلت حكومته واندلــعت انتفاضة شعبية جديدة بوجهها!؟