زياد عيتاني -أساس ميديا
أ- تمكّن من إقناع سعد الحريري بتأجيره السراي الحكومي الكبير.
ب- تمكّن من تمرير صفقة مع العهد وصهره جبران باسيل.
يضحك الرئيس ميقاتي. يكاد يقع على ظهره من شدّة الضحك، متخيّلاً وجوه زملائه في “نادي الرؤساء”، الذين راهنوا على تكليفه المؤقّت بانتظار حتميّة الاعتذار الأليم. يتخيّلهم وهم يجلسون نادمين. فؤاد يضرب كفّاً بكفّ ضاحكاً، وسعد يريد التقاط رقبة فؤاد صارخاً: “أنت سبب هذا البلاء الكبير”. أمّا تمّام فينظر إلى السقف، يريد الاختباء من أيّ مفاجأة يجدها في الجدار ولسان حاله: “أنا ما دخلني، ما سمعت، وما حكيت…”.
تحمّل الرئيس ميقاتي نادي الرؤساء السابقين، الشهير بـ”نادي الغولف”، وهم يعتصمون بتسمية سعد الحريري رئيساً، وليس هناك من رئيس غيره. حرِص على المواظبة في النادي حتى تمكّن من إقناع الجميع بأنّه رهن إشارتهم إن اعتكفوا أو شاركوا في التسمية أو حتى قرّروا إجراء تسويات صغيرة أو كبيرة. اطمأنّ له الجميع فكانت تسميته لرئاسة حكومة لن تُشكَّل برأيهم، وهنا كان الرهان الخاسر الكبير.
حفر الرئيس ميقاتي طريقه إلى السراي الحكومي بإبرة كبيرة تشبه إبر سوق الخيّاطين في طرابلس، غير قابلة للكسر ولا للّيّ، بل تنقر وتنقر وتنقر حتى تصل إلى ما تريد. لم يوفّر ابن الميقاتي أيّ معطى إلا وسخّره من أجل أن يصل إلى الرئاسة الثالثة: علاقاته في الداخل والخارج، علاقات شقيقه طه، صلاته العائلية خارج الحدود، وفوق كلّ هؤلاء رداءة إدارة منافسه سعد الحريري للملفّات السياسية.
اثنان يقفان خلف عودة ميقاتي إلى السراي:
الأوّل: شقيقه طه الماهر بالتواصل مع الجميع، والقادر على حفر الجبال وشقّ الطرقات فيها، كي يمرّ من خلالها شقيقه إلى السراي أو أيّ مقرّ آخر.
الثاني: الرئيس سعد الحريري الذي يشكّل أمنيةً لكلّ رجلٍ قُيِّض له أن يختار منافسه السهل المريح.
.. رحلة الرئيس ميقاتي في السراي الحكومي، كما يراها هو، وكما يصرّح بذلك أمام أكثر من صديق، لا تقتصر على مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء الانتخابات النيابية المرتقبة. بل هي رحلة ستطول إلى ما بعد الانتخابات النيابية، لا بل إلى ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية على قاعدة ردّدها كثيراً قبل التكليف وبعده: “هل لدى الجميع من بديل؟”. والجميع هنا هم الجميع من دون استثناء، العهد وحزب الله و”النادي” وكلّ هذه المنظومة السياسية التي تشعر بالخطر الكبير. لو مُنِح الرئيس نجيب ميقاتي فرصة أن ينصح صديقه في النادي الرئيس الحريري لكان نصحه ببعض الكلام القليل مخيِّراً إيّاه بين:
أ- قضاء إجازة طويلة طويلة مع العائلة في أبو ظبي أو في فرنسا أو على أيّ شاطئ يريد.
ب- يكتفي بالمراقبة رحمة بذاته وبعائلته، والأهمّ الأهمّ رحمة بما تبقّى من إنجازات والده الشهيد.
وممّا لا شك فيه أنّ أمنية الرئيس ميقاتي تتحقّق في الخيار الثاني. فبعد استئجار السراي حان وقت الاحتلال الطويل.
من حقّ الرئيس ميقاتي أن يرغب ويتمنّى أن يبقى طويلاً في السراي الحكومي الكبير. لكنّ الحكمة تتطلّب اللجوء إلى التفكير العميق والنظر فوق باب السراي الكبير لقراءة ما كُتب على تلك اللوحة الجميلة من كلمات: “لو دامت لغيرك ما اتّصلت إليك”. هي العبارة التي وضعها الشهيد رفيق الحريري، وقرأها الجميع وفهمها.
البقاء في السراي لا يعود إلى قرار مَن يقطن فيه، ولا إلى الرغبات السياسية والشخصية، سواء كان حجم صاحب هذه الرغبات صغيراً أو كبيراً. بل إنّ البقاء في السراي هذه المرّة، تحدّده الانتخابات النيابية المقبلة التي لا بدّ أن تفرز واقعاً جديداً.
للحفاظ على السراي في بيروت، فإنّ على الرئيس نجيب ميقاتي أن يكون زعيماً أوحد في طرابلس لا يشاركه في زعامته أيّ تيّار أو فريق. لا بقاء في بيروت من دون التجذّر في طرابلس. هذا ما يجب أن يدركه الرئيس نجيب ميقاتي ومؤيّدوه. لا بقاء في السراي، مهما كانت نتيجة الانتخابات، إن كنّا سنعمد إلى استنساخ تجارب الآخرين: صفقة من هنا، وتنازل من هناك، وصهر من هنالك، والسكوت على كلّ الاعتداءات بحقّ الطائفة السُنّيّة بما تمثّل من عمق الدولة وضمانة استمرارها. لا بقاء في السراي مع بقاء شعارات فقدت بريقها واقتناع الناس بها، بدءاً من مصلحة الوطن وانتهاءً بأمّ الصبي.
البقاء في السراي، يا دولة الرئيس، يحتاج إلى أن يبقى السراي مقرّ الرئاسة الثالثة، ومقرّ السلطة التنفيذية وإدارة الدولة، ومرجعيّة الجميع، لا أن يكون تابعاً لأيّ مقرّ. هكذا ينصّ اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً للجميع.