كتبت”” النهار”:
أغلب الظن ان الغالبية الكبرى من اللبنانيين لم تتمكن أمس من مشاهدة الوقائع التلفزيونية المباشرة ولا حتى المسجّلة لولادة الحكومة الثالثة التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، والحكومة الرابعة في عهد الرئيس ميشال عون، وربما آخر الحكومات في هذا العهد وذلك لسببين اثنين: ازمة الانقطاع الشامل في التيار الكهربائي او انخراط اللبنانيين أينما كانوا في طوابير الذل عند محطات الوقود وعلى الطرق.
تبعاً لذلك سيصعب تقدير مدى تلقي اللبنانيين، “بغبطة” او بفتور او بتحفظ ورفض او بلامبالاة، لهذا الحدث الذي انتظروه ومعهم المجتمع الدولي بأسره منذ 13 شهراً إلى ان جاءت الولادة المنتظرة أمس مقترنة بواقعية مريرة بين الترحيب بولادة الحكومة التي طال انتظارها والتراجع الملحوظ في سعر الدولار بحيث بلغ سقف الـ 14 ألف ليرة، والبرودة حيال التوقعات التي تواكب تأليفها.
ولعلّ أحداً لا ينكر ان الحكومة الميقاتية تضم عدداً من الخبرات في مجالات اختصاص متعددة بما ينسجم نسبياً مع مواصفات الخبراء في مجالات الإصلاح، ولكن لم يغب ابداً الطابع الغالب للحكومة بأنها نتاج تسوية ومحاصصة سياسية واسعة بين القوى المشاركة فيها، بما يعني ان التكنوقراط في تركيبتها هو تكنوقراط سياسي استولدته القوى السياسية والحزبية التي تشارك في محاصصة الحكومة والسلطة، وليس التكنوقراط المستقل الذي كان المطلب الأساسي للمبادرة الفرنسية كما للحراك الاجتماعي الداخلي ففرضت القوى السياسية مجدداً امرها الواقع على الجميع.
وإذا كان الرئيس ميقاتي لم يتأخر عن استدراك معرفة ما ينتظره الرأي العام من الحكومة والأولويات الإنسانية الأشدّ الحاحاً للناس التي تحدث عنها ميقاتي دامعاً فور اعلان الولادة، فان الحكومة الوليدة بدت حقيقة حمالة أوجه لجهة ميزان دقيق واكب ولادتها. فأي حكومة بعد 13 شهراً من التعطيل والانهيارات والكوارث والأزمات الدراماتيكية، ستكون أفضل مما كان عليه الوضع في ظل حكومة تصريف اعمال متآكلة. ولكن أي رهان مضخم على حكومة تحاصرها أسرار لم تنجل بعد وتجربة محاطة بالافخاخ يبدو ضرباً من التسرع المحفوف بالمغامرة. لذا ظهرت الحكومة في تركيبتها وتوزع وزرائها على الثمانيات الثلاث وتحت شعار التغني بعدم استحواذ أي فريق على الثلث المعطل، كأنها فعلاً تسوية نهاية العهد تماماً وليست فقط محدودة زمنياً بثمانية أشهر حتى أيار، موعد الانتخابات النيابية المقبلة. واما قصة الثلث المعطل فلم تطو ابداً بعد، اذ طاردت الشكوك العميقة الكثيرين ممن راحوا “ينقبون” في السير الذاتية العلنية وغير العلنية للوزراء الجدد وسط انطباعات غالبة بان رئيس الجمهورية وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لم يخوضا معارك التعطيل في مواجهة ثلاثة رؤساء مكلفين طوال 13 شهرا مع إصرار ثابت على انتزاع الثلث المعطل، لكي يقبلا بسهولة أمس مرور تشكيلة حكومية لا “يختبئ” فيها وزير أو أكثر يؤمن الثلث المعطل المضمر والمقنّع. ثم ما الذي اقنع التيار الوطني الحر فجأة بالتخلي عن عناده بإزاء عدم التصويت للحكومة فصار موافقا على منحها الثقة؟ ولكن هذا الامر متروك للتجربة الاتية مع حكومة ستبدأ تواجه تحديات هائلة من الاثنين المقبل مع الجلسة الأولى لوضع البيان الوزاري وأولوياته الخطيرة.