أمين القصيفي
في زمن عبر، وقبل انهيار الليرة اللبنانية وتآكل القدرة الشرائية بفعل التضخم وارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، كان رؤساء الجمهورية والحكومات والوزراء والنواب، الأحياء والأموات “من غير شر” في لبنان، يعيشون بمستوى رفاهية يتخطى ذاك الذي يعيشه نظراءهم في دول متطورة ومتقدمة، كالصين على سبيل المثال لا الحصر.
لكن، من سخريات القدر، أو ربما من “عدالته”، أنه منذ انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية في تشرين الأول العام 2019، بات الرئيس والوزير والنائب وكبار موظفي الدولة، “يتساوون”، نسبياً، في ما أرخته الأزمة من أعباء عليهم وعائلاتهم، مع سائر اللبنانيين.
هذا بالطبع إن اعتبرنا، “ساذجين”، أن رؤساءنا ووزراءنا ونوابنا وكبار موظفينا، بغالبتهم العظمى الساحقة الماحقة، ينتظرون المعاش في آخر كل شهر، بفارغ اللهفة والشوق والصبر لتأمين معيشتهم وعائلاتهم، مثلهم في ذلك مثل سائر اللبنانيين الفقراء المعدومين المسحوقين على يد طبقة “الحكام الأشراف الأطهار النزيهين”. وذلك تبعاً للدراسة التي أعدَّتها “الإسكوا” عن تفاقم الفقر في لبنان إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، مشيرة إلى أن الفقر أصبح يطاول 74% تقريباً من مجموع سكان البلاد.
وتبقى المقارنة للقارئ، بين راتب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الشهري، البالغ نحو 22.000 دولار، وراتب رئيس الجمهورية في لبنان، قبل الانهيار، والذي كان يساوي نحو 12.650 دولاراً شهرياً. أما راتب كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء فكان نحو 12.000 دولار شهرياً، في حين كان راتب الوزير الشهري يساوي نحو 8.650 دولاراً.
علماً أن الرئيس الصيني، هو رئيس على “امبراطورية” عظمى شاسعة مترامية الأطراف، بعدد سكان يبلغ نحو مليار و500 مليون “بني آدم”. أما رئيس الجمهورية اللبنانية “المعظَّم”، فهو رئيس دولة بالكاد بحجم قرية صغيرة في الصين، تبلغ مساحتها 10.452 كلم2، يسكنها نحو 4 ملايين مواطن لبناني، “عايفين ربُّن”، بالإضافة إلى نحو مليوني نازح سوري ولاجئ فلسطيني، ومن جنسيات أخرى.
هذا الواقع، دفع “عدداً من وزراء حكومة تصريف الأعمال إلى البحث جدياً عن عمل خارج لبنان”، بحسب مصادر وزارية لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أشارت إلى أن “ثمة طلبات عمل وسير ذاتية قُدِّمت إلى عدد من الشركات الأجنبية، العاملة خصوصاً في منطقة الخليج العربي”.
وتشير المصادر ذاتها، إلى أن “قسماً من الوزراء ليس من أصحاب الثروات أساساً، بل كانوا موظفين في القطاع الخاص بمواقع رئيسية تبعاً لاختصاصاتهم، ولا مداخيل لديهم سواء معاشاتهم. بالتالي مع انهيار العملة الوطنية، باتت رواتبهم لا تساوي شيئاً نسبةً لما كانوا يتقاضونه في القطاع الخاص”.
وتلفت، إلى أن “راتب الوزير الشهري البالغ 12 مليوناً و973 ألف ليرة لبنانية كان يساوي قبل الأزمة نحو 8.650 دولاراً. أما اليوم، وعلى دولار 19.000 ل.ل في السوق السوداء، بات معاش الوزير الشهري أقل من 700 دولار، ومرشَّح للتراجع أكثر مع توقُّع ارتفاع سعر الصرف. بالتالي، من الطبيعي أن يفكر بعض الوزراء بالهجرة والانتقال للعمل في الخارج في الاختصاصات التي يملكونها”.
وتكشف المصادر الوزارية، لموقع “القوات”، عن أن “عدداً كبيراً من وزراء حكومة تصريف الأعمال، باتوا لا يترددون في الإعراب، علناً، عن تمنياتهم بتشكيل الحكومة المنتظرة، اليوم قبل الغد، كي (يخلصوا من هالوجعة الراس وتعب القلب)، وينتقلوا مع عائلاتهم إلى خارج لبنان”.
وتشير، إلى أن “بعض الوزراء (بَدُّو الصَرفة) وحزم حقائبه فعلاً، ليكون جاهزاً لمغادرة لبنان فوراً بعد تشكيل الحكومة، وربما قبل التسلُّم والتسليم بينهم وبين الوزراء الجدد”، لافتة إلى أن “احتمال الاستمرار في تصريف الأعمال إلى سنة إضافية، وربما أكثر، في حال تعذُّر تشكيل الحكومة، يقلقهم بشكل جدي”.