بطاقة الأكثر فقراً على خطى البطاقة التمويليّة: خلاف على الدولارات والإدارة
يواجه البرنامج الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعي المصير نفسه كما البطاقة التمويلية من ناحية المشكلات في المنصّة والاستمارات والتمويل والرقابة. إشكالية إضافية تضاف الى هذا البرنامج تتعلّق بالزيارات الميدانية والشركة المكلّفة القيام بهذا العمل. ولأن الدولة بشخص وزير الشؤون الاجتماعية قررت أن تكون مجرد متفرّج، تفرض الجهات الدولية شروطها من دون أيّ تدخل أو وصاية من أيّ جهة رسمية لبنانية، بالرغم من أن المشروع هو اتفاقية قرض صادرة بقانون في مجلس النواب وليست هبة من أي دولة
لا تقلّ بطاقة البرنامج الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعي تعقيداً عن البطاقة التمويلية، بل يواجه هذا البرنامج أيضا عدة مشكلات تدفع بالمشاركين في إعداده الى القول بأنه لن يجري العمل به قبيل نهاية العام على الأقل. فقرض البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار الموفّر لهذا الغرض، بما يضمن توفير ما بين 93 دولاراً الى 126 دولاراً لنحو 200 ألف عائلة من الأشدّ فقراً، أقرّ في شهر آذار الماضي في مجلس النواب، لكنه لم يبدأ العمل به بعد. فيوم أمس، أطلق وزيرا الاقتصاد والشؤون الاجتماعية راوول نعمة ورمزي مشرفية، بالإضافة الى رئيس التفتيش المركزي جورج عطية، منصّة تسجيل الأسماء للحصول على البطاقة التمويلية ابتداء من 15 أيلول الجاري. هذه المنصة ستكون مشتركة بين البطاقتين، أي التمويلية وتلك الخاصة ببرنامج الأمان الاجتماعي. الأجواء الوردية التي تقصّد الوزيران إشاعتها غير مطابقة للإشكالية التي تدور بين أعضاء مجلس الوزراء ورئيسه والأمن العام، لناحية الخلاف حول الجهة المخوّلة إدارة هذه المنصة ومراقبتها والحفاظ على أمن الداتا وسريتها، ولأن رئاسة الحكومة ترى في التفتيش المركزي جهازاً رقابياً لا تنفيذياً، وبالتالي غير ذي صلة بعمل المنصة. أما المشكلة الأخرى فتتمثل بملاحظات وضعها برنامج الغذاء العالمي، على شكل الاستمارة وحجمها والأسئلة غير العلمية التي تتضمّنها، فيما ما يطلبه البرنامج والبنك الدولي هو استمارة بسيطة وسريعة وتقييم شفاف لها من جهة مخوّلة القيام بهذه المهمة. ذلك لأن الاستمارة ستكون مشتركة أيضاً بين البطاقتين بحيث تتم غربلة العائلات الأكثر ملاءمة لشبكة الأمان الاجتماعي لتبدأ بعدها الزيارات المنزلية التي يشترطها البنك الدولي (خلافاً للبطاقة التمويلية التي لن تحتاج الى زيارات ميدانية)
ورغم إقرار اتفاقية القرض، لن يوضع البرنامج على سكة العمل قبل اختيار الشركات التي ستقوم بالزيارات للعائلات. فقد اشترط البرنامج تعيين شركات استقصائية، على أن تؤمن نفقاتها عبر منحة من البنك الدولي لم تتوفر أموالها بعد. هنا أيضاً، ثمة خلاف في اجتماعات اللجنة التي يترأّسها وزير الشؤون حول كلفة الاستمارة الواحدة، إن كانت 7 دولارات أو 8 دولارات أو تصل الى 15 دولاراً للاستمارة الواحدة. وتقول المصادر إن ما جرى تأمينه من البنك الدولي لا يتعدّى مليونين ونصف مليون دولار ستكون كافية لسدّ نفقات زيارة 300 ألف عائلة حتى يتم انتقاء 200 ألف منها في حال اعتماد مبلغ 8 دولارات للاستمارة، فيما سيكون مطلوباً مضاعفة المبلغ إن رست المعادلة على 15 دولاراً. في شتى الأحوال، لا يمكن للأمر أن ينجز قبل توقيع الاتفاقية المعدّة مسبقاً بين برنامج الأغذية العالمي والحكومة، وقبل تأمين البنك الدولي للمبلغ كاملاً بحيث يجري على أساسه استدراج عروض للشركات التي سيكون العقد بينها وبين برنامج الأغذية حصراً. وينتظر البرنامج أن تأخذ الحكومة بملاحظاته حول الاستمارة «لتصغير هامش الخطأ. ولأن أي انطلاقة خاطئة ستوقع الشركات التي تنفذ الزيارة بمشكلة، ولا سيما أن الاستمارة بشكلها الحالي لن تضمن حسن اختيار العائلات بطريقة مهنية وموضوعية».
التفاصيل السابقة تقود الى معادلة واضحة: لا تريد الجهات الدولية أيّ تدخل للدولة بما ستنفّذه، لا من ناحية الزيارات الميدانية ولا من ناحية إعداد الاستمارة ولا التقييم الذي سيجري على أساسه اختيار العائلات بعد تنفيذ الزيارات. يضاف الى ذلك أن المنصة نفسها الموضوعة عند التفتيش المركزي تديرها شركة أجنبية، علماً بأن مصادر متابعة للملف تستغرب عدم الاستعانة بإدارة الإحصاء المركزي التي هي محور أساسي في هذه المسألة ومعنية مباشرة، كما أن لديها مجموعة من الاختصاصيين الكفوئين، ورغم ذلك يجري تغييبها بالكامل. فثمة من قرر أن تكون الدولة مجرد متفرج، تنفذ طلبات الجهات الدولية من دون أن تعترض أو تراقب أو تتدخّل أو تدقق؛ رغم أن البنك الدولي وبرنامج الأغذية لم يمنحاها هبة، بل هو قرض على الدولة أن تسدّده.
ويحدث أن يكون الوزير الذي يترأّس اللجنة التقنية المخوّلة وفق القانون التدقيق في التفاصيل وابتكار الأفكار ثم رفعها إلى اللجنة الوزارية لتنفيذها، هو وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية. لكن وجوده في الاجتماع كما باقي الوزراء ليس سوى فولكلور، مع العلم بأن القرض هو اتفاقية صادرة بقانون من مجلس النواب، ما يعني أنه يحق للمجلس ملاحقة الوزراء في حال الخطأ. الاتصال بوزير الشؤون لا يجدي نفعاً، بل يقابل بتأجيل الكلام من قبله مرات عدة. هذا الغياب التام أتاح للبنك الدولي التصرف كما لو أنه القائم بالأعمال في الدولة اللبنانية، فقرر استحداث مركز اتصالات (call center) وفرض شركة على رئاسة الحكومة من دون أي تفاصيل حول طريقة اختيارها ومؤهلاتها، أي على الطريقة اللبنانية، الأمر الذي قوبل بالرفض وأُبلغ القرار الى مسؤولة المشروع حنين السيد.
من جهة أخرى، لا يزال موضوع دفع قيمة البطاقة بالدولار أو بالليرة اللبنانية عالقاً في سراديب مصرف لبنان. فبعد الإشكالية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي والشكاوى الموجهة الى البنك الدولي بضرورة الدفع بالدولار، طلب البنك من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تسديدها بعملة القرض، رغم موافقته سابقاً على دفعها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يحدده سلامة. ما حصل بعدها أن وزير المالية غازي وزني نشر تغريدة تعلن الاتفاق على إعطاء البطاقة بالدولار، وأبلغ سلامة بدوره البنك الدولي بذلك وفق مصادر متابعة. لكنه ما لبث أن انقلب على هذا القرار على ما أبلغته الجهات الدولية في الاجتماعات، وسط رفضها لهذا الإجراء. وبالتالي لم يُحسم الموضوع حتى الساعة بانتظار قرار رسمي من مصرف لبنان.