يومها كان المخطّط، بحسب الأسد، عبارة عن خطّين سيعبران سوريا، أحدهما من الشمال إلى الجنوب مصدره قطر، والثاني من الشرق إلى الغرب إلى البحر المتوسط يعبر العراق من إيران.
مرّت عشرة أعوام ولا يزال الغاز يتصدّر الأحاديث السياسية وعناوين الصحف المتعلّقة بمنطقة الشرق الأوسط، وآخرها التذكير بـ”خطّ الغاز العربي”، الذي انطلق عام 2003، بهدف تصدير الغاز الطبيعي المصري لدول المشرق العربي، ومنها إلى أوروبا. في عام 2004 اتّفقت مصر والأردن ولبنان وسوريا مع العراق لتوصيل خط الغاز العربي إلى العراق. ولم يسلم الخط العربي للغاز من الاستهداف منذ عام 2011، ولا سيّما في مصر وسوريا.
في منتصف آب الماضي، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالاً كشفت فيه أنّ العراقيين والمصريين والأردنيين عقدوا أخيراً اتفاق إطار لمدّ أنبوب ينقل النفط العراقي الخام من البصرة إلى مرافئ التصدير في ميناء العقبة مع خطط لتمديده إلى مصر، إضافة إلى ربط شبكات الكهرباء الخاصة بهذه الدول، وإعطاء الفرصة للشركات المصريّة والأردنيّة للمشاركة في إعادة إعمار العراق.
وبرز إلى الضوء أيضاً مشروع “نورد ستريم 2” الذي يجري بناؤه بين ألمانيا وروسيا، وتبلغ تكلفته 11 مليار دولار، ومن المتوقّع انتهاء العمل فيه قريباً. وفي منتصف تموز، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن تطرّق إلى خطّ التيار الشمالي، أي أنابيب الغاز الطبيعي، في المحادثات التي أجراها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في البيت الأبيض.
حلٌّ للبنان؟
في هذا السياق، نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالاً أشار فيه إلى أنّ الولايات المتحدة وجدت نفسها في موقف محرج بسبب إعطائها الضوء الأخضر للتعاون بين حلفائها ودمشق، في إطار السعي إلى معالجة أزمة المحروقات التي يعانيها لبنان. ولفت المقال إلى أنّ من المقرّر أن يجتمع وزير البترول والثروة المعدنية في مصر، ووزير النفط والثروة المعدنية في سوريا، ووزير الطاقة والمياه في لبنان، لبحث سبل تعزيز التعاون في إيصال الغاز المصري إلى لبنان من أجل توليد الكهرباء.
من جانبها، علّقت صحيفة “التايمز” في مقالٍ على التطوّرات في مجال الطاقة، معتبرةً أنّ الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الأميركي جو بايدن اتّحدا لحلّ أزمة الطاقة التي يواجهها لبنان. ورأت أنّ إعراب واشنطن ودمشق عن الاستعداد للتعاون من أجل وضع خطة لمساعدة لبنان في مجال الكهرباء، هو بمنزلة مؤشّر إلى تحوّل جديد في السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط.
وسردَ موقع “ميدل إيست آي” بعض التفاصيل عن الخطة الأميركية، التي تنصّ على نقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر خط الغاز العربي الذي يمرّ عبر الأردن وسوريا. وبموجب الخطة، سيُتاح للأردن، الذي يولّد فائضاً من الكهرباء، أن يبيع فائض إنتاجه من الطاقة إلى لبنان بنقلها عبر سوريا والشبكة العربية.
في هذا السياق، علّقت ناتاشا هول، الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، معتبرةً أنّ هذا الاتفاق يشكّل “فرصة ذهبية لدمشق”. وقال مسؤول سوري شارك في اللقاء بين مسؤولين سوريين ووفد لبنان الرسمي إنّ دمشق “مستعدّة لمساعدة” لبنان في تجاوز أزمة الطاقة.
إذاً ماذا عن العقوبات الأميركيّة؟
ذكّر موقع “ميدل إيست آي” بما قاله وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد من أنّ العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، المعروفة باسم قانون قيصر، “تُعرقل عودة سوريا إلى الساحة العربية”.
وأفاد الموقع أنّ الأردن يسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع دمشق، وأن يعيد فتح معبر حدودي رئيسي بالكامل. وهذا الموضوع كانت قد ذكّرت به صحيفة “لو موند” عندما تطرّقت إلى زيارة الملك الأردني عبدالله الثاني إلى البيت الأبيض، ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في 19 تموز الماضي، حيث بحث الطرفان إيجاد طرق لاستثناء المملكة من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر في ما يتعلّق بالتجارة مع سوريا.
من جانبها، أوضحت صحيفة “تايمز” أنّ الاقتراح، الذي أعلنته السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، شكّل مفاجأة للمراقبين، ومن المتوقّع أن يتضمّن رفعاً جزئياً للعقوبات الأميركية المفروضة على دمشق. وكشفت الصحيفة أنّ بايدن يراجع سياسة واشنطن في سوريا، بعدما كان الرئيسان باراك أوباما ودونالد ترامب متمسّكين بالموقف الأوروبي – الأميركي الذي يؤيّد فرض عقوبات ما دام الأسد في السلطة.
وعن خطّ الغاز العربي، وإمكان الإعفاء من العقوبات، رجّح الباحث مهند حاج علي لموقع “ميدل إيست آي” أن تحاول واشنطن الحدّ من تعاملها المباشر مع الحكومة السورية، واحتمال إصدار إعفاءات من العقوبات، كما تعاملت في السابق مع بعض شحنات الوقود الإيرانية.
وأشار الموقع إلى أنّ واشنطن تُجري مفاوضات مع البنك الدولي لتمويل تكاليف استجرار الغاز المصري، وأنّ هناك عدداً لا يُحصى من التحدّيات اللوجستية، إذ يحتاج الخط والشبكة الكهربائية إلى إعادة تأهيل بعد سنوات من الإهمال، وأنّ من المتوقع أيضاً أن تطلب دمشق زيادة الرسوم لنقل الطاقة.
أمّا عن الباخرة الإيرانية التي ستزوّد لبنان بالمشتقّات النفطية، فلفت الموقع إلى أنّ من المتوقّع أن تصل الشحنة الأولى إلى مرفأ بانياس في أواخر هذا الأسبوع، ثمّ تُنقل بعض الشحنات منها برّاً إلى لبنان.