«المطلوب وقف الكذب على الناس والشعبوية»، قال رئيس لجنة المال والموازنة، إبراهيم كنعان، يوم الخميس الفائت، عقب جلسة لجنة المال والموازنة التي بحثت مسألة زيادة سعر الدولارات المحتجزة في المصارف، والتي تُصرف حالياً مقابل 3900 ليرة للدولار الواحد. مصرف لبنان يدرس إمكان زيادة السعر. ولاقته لجنة المال والموازنة، التي رأى رئيسها أنها «تدفع في اتجاه الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الناس». زميله، عضو اللجنة ياسين جابر رأى أن «من المفترض أن يحصل التعديل رأفة باللبنانيّين».

عبّر الاثنان عن رفضهما للقصّ الذي تتعرّض له الودائع، والذي وصلت نسبته إلى 85 في المئة. وانتقد النائبان، كلّ على حدة، تأخير إقرار قانون القيود على الرساميل (تقييد السحوبات من المصارف والتحويلات إلى الخارج). وطالبا، كل على حدة أيضاً، بحكومة تضع برنامجاً إصلاحياً للخروج من حالة الانهيار.
النائبان، كنعان وجابر، ليسا عازفين في فرقة موسيقية جوّالة، بخلاف ما توحي به تصريحاتهما. هما عضوان في لجنة المال والموازنة، ومن أبرز المسؤولين عن إسقاط خطة حكومية «إنقاذية» (بصرف النظر عن تقييم تلك الخطة). وإسقاط تلك الخطة كان بمثابة إعدام فرصة الخروج من حالة الانهيار، وفرض تحميل خسائر القطاع المالي (مصرف لبنان والمصارف) إلى عموم اللبنانيين، فضلاً عن قص الودائع بنسبة وصلت حالياً إلى أكثر من 80 في المئة (كل دولار في مصرف يُدفع للمودع بقيمة 3900 ليرة، فيما سعر الدولار الحقيقي في السوق يتحرّك حول الـ 20 ألف ليرة). أما قانون الكابيتال كونترول الذي يطالبان به، فلم تقرّ لجنتهما اقتراحه سوى بعد مرور أكثر من عامين على بدء انهيار سعر الصرف، قبل أن يضيع في سراديب لجنة الإدارة والعدل التي يرأسها النائب جورج عدوان.
«لا يجوز أن تستمر سياسات حكومية ومصرفية أوصلت الى «هيركات» بحدود الـ 85 في المئة، وبما أن المودع اللبناني هو الذي يدفع الثمن، فمن حقّنا السؤال والمتابعة والحؤول دون استمرار ذلك»، يقول إبراهيم كنعان. النائب المطالِب بوقف الكذب والشعبوية يريد للجمهور أن ينسى أنه شخصياً، أي كنعان، كان حامل المظلّة التي غطّت استمرار السياسات المصرفية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، وأن الحكومة سبق أن قدّمت خطة بديلة، لكنه تولى قيادة عملية إحباطها، لتبقى السياسات المصرفية وحدها السارية. وعلى سيرة «السياسات الحكومية والمصرفية»، يبدو رئيس لجنة المال والموازنة في مجلس نواب الأمة، شديد اللطف في مقاربته للسياسات المصرفية. فعلى سبيل المثال، لم يسمع بما تقوم به المصارف، لجهة كونها المسبب الرئيسي لارتفاع سعر الدولار في السوق، ولذلك لم يأت على ذكرها عندما عدّد أسباب تدهور سعر صرف الليرة.بصرف النظر عن الأقوال، فإن حماسة الثنائي كنعان ــــ جابر لزيادة سعر الدولار المحجوز إلى ما فوق الـ 3900 ليرة، تدفع إلى البحث عن المصالح التي يدافعان عنها. فهذه الحماسة تمنحهما ما يمكن استخدامه في حملتهما الانتخابية، من خلال القول إنهما حريصان على أموال الناس، بعدما تفرّجا لسنتين على الأقل على تلك الأموال تُنهَب، وساهما في إسقاط الخطة الرسمية الوحيدة التي كانت ــــ على كثير علّاتها ــــ تقترح آلية مفصّلة لإنقاذ بعض تلك الأموال.
لكن الهدف الانتخابي لا يقدِّم إجابة كاملة عن سؤال «عن مصالح مَن تدافع لجنة المال والموازنة في مطلبها زيادة سعر الدولار المحجوز؟». الجزء الثاني من الإجابة توضحه مصادر واسعة الاطلاع في القطاع المصرفي. تذكّر المصادر بأن تعميم دفع الودائع بالليرة، وفقاً لسعر 3900 ليرة للدولار الواحد، كان هدفه تنظيف ميزانيات المصارف ومصرف لبنان من الدولارات المطلوبة، وإبقاء ما تبقّى من تلك الدولارات في حفظ سلامة وصونه لاستخدامها لاحقاً في إنقاذ البنوك المفلسة. وتضيف المصادر بأن عمليات السحب وفقاً لسعر 3900 ليرة، تراجعت في الأشهر الأخيرة لسببين: الأول هو ارتفاع سعر الدولار في السوق إلى ما فوق العشرين ألف ليرة، ما يعني خسارة جزء كبير من قيمة الوديعة المسحوبة بالليرة؛ والثاني، صدور التعميم 158 الذي يمنح المودعين حق سحب ما مجموعه 4800 دولار نقداً و4800 دولار بالليرة وفقاً لسعر 12 ألف ليرة للدولار.
وبهدف إعادة تنشيط عمليات السحب وفقاً للتعميم 151 (3900 ليرة للدولار المحجوز)، أراد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأصحاب المصارف، زيادة سعر الدولار المحجوز إلى ما بين 8 آلاف ليرة و10 آلاف ليرة. يُضاف إلى ما تقدّم سبب خاص ببعض المصارف الكبرى. فتلك البنوك اشترت في الأشهر الماضية كمية كبيرة من الدولارات المحجوزة («لولار») بواسطة شيكات. وهي قامت بذلك بالشراكة مع بعض زبائنها (أفراد وشركات)، لتقوم بتسييل هذه «اللولارات» بعد زيادة سعرها، من أجل تحقيق أرباح تستخدمها لشراء الدولارات النقدية من السوق. مجموع هذه المبالغ تقدّره المصادر بمئات ملايين الدولارات المحجوزة، ما يعني إمكان استخدامها (بعد التسييل) بشراء عشرات ملايين الدولارات الورقية التي يمكن تحويلها إلى الخارج أو الاتجار بها في الداخل.
هذه المصارف ورياض سلامة، وبهدف تحقيق هذه الغاية، استعانوا بالثنائي كنعان ــــ جابر، اللذين قرّرا تسويق هذه العملية بصفتها معركة دفاع عن حقوق اللبنانيين (مع وجوب التذكير دوماً بأن المودعين ليسوا جميعاً لبنانيين، بل غالبيتهم كذلك. واللبنانيون ليسوا جميعاً مودعين، بل غالبيتهم ليست كذلك). ومنذ بداية تولّيه مهمة الترويج لما يريده سلامة وأصحاب المصارف، لم ينطق كنعان بعبارة أصدق من تلك التي قالها في مؤتمره الصحافي يوم الخميس الفائت: «المطلوب وقف الكذب على الناس والشعبويّة».