عون يريد الوزير التاسع… وميقاتي “مكانك راوِح”
جوزفين ديب -أساس ميديا
تبديل حقيبة من هنا وحقيبة من هناك تفاصيل. لكنّ عنوان الأزمة واحد: مَن سيكون الوزير المسيحي الكاثوليكي التاسع، بعدما سبق أن سمّى ميقاتي الوزير المسيحي العاشر، وهو عضو بلديّة بيروت طوني السرياني، ممثّلاً للأقليّات، ورفضه عون، ثم عاد ميقاتي وطرح نجلا رياشي، فوافق عون عليها.
في التفاصيل قيل الكثير عن توزيع الحقائب، وعن شكوى الفريق السنّيّ من حصول فريق رئيس الجمهورية على سلّة من الحقائب الأساسية تتمثّل بالخارجية والدفاع والعدل والطاقة والشؤون الاجتماعية وغيرها من الحقائب التي تعتبر “ثانوية”، إضافة إلى مطالبة عون بحقيبة الاقتصاد، فكانت الأزمة الحالية. إلا أنّ جديد بازار تبادل الحقائب، اقتراح أن يطرح ميقاتي مجموعة أسماء لحقيبة الاقتصاد على أن يوافق عون على اسم منها، ويطرح عون مجموعة أسماء ليختار منها ميقاتي الوزير المسيحي الثاني الكاثوليكي. لكنّ هذا الطرح لحق بالطروحات التي سقطت قبله، وإلا كنّا شاهدنا ميقاتي في بعبدا اليوم.
سقوط هذا الطرح يعود بنا إلى العقدة الأمّ: الوزير المسيحي التاسع. أي بلغة أخرى: “الثلث زائد واحداً”. وحول هذه العقدة حاول ميقاتي اختراع حلّ من خلال طرح أكثر من اسم على عون، من بينها الماروني سليمان جان عبيد، والكاثوليكي جورج كلّاس، لكن لا جواب من عون حتّى الساعة.
في المعلومات أنّ ميقاتي عالق بين حدّين بعدما أبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيّار المردة سليمان فرنجية أنّهما سيمتنعان عن المشاركة في الحكومة في حال أعطى ميقاتي عون نصف وزير زائداً على الثمانية.
لم يأتِ هذا الكلام من فراغ. فميقاتي، كما ينقل عنه زوّاره، سبق أن حاول الخروج من الأزمة الحكومية هذه عبر الاتفاق مع رئيس الجمهورية على اسم الوزير التاسع، بحيث يكون وسطيّاً بينهما. لكنّ مَن يعرف رئيس الجمهورية يعرف جيّداً أنّه لن يقبل اسماً مستفزّاً لفريقه. ولذلك أيّ اسم يخضع لرضى الطرفين يرى فيه البعض ضمانة لفريق بعبدا ليكون وزيره الملك متى دعت الحاجة إليه. ويدرك ميقاتي أنّه لا يستطيع المناورة في هذه النقطة تحديداً حتى لو أراد ذلك.
ينفي قصر بعبدا أيّ كلام يتعلّق بالمطالبة بالحصول على الثلث الضامن. ولتأكيد هذا النفي، يقول المقرّبون منه إنّ وزيريْ الطاشناق المحسوبيْن من ضمن الثمانية لن يصوِّتا بالضرورة لمصلحة فريق الرئيس في حال بروز انقسام في مجلس الوزراء، والشواهد على ذلك كثيرة بدءاً من تسمية رؤساء الحكومات.
في المقابل، يستعيد خصوم فريق رئيس الجمهورية، في اتّهامهم له بتمسّكه بالثلث المعطِّل، وقائع اتّصال جرى بين الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وبين باسيل منذ أشهر، توجّه خلاله نصرالله إلى باسيل قائلاً: “نحن ضمانتكم في الحكومة”. فكان جواب باسيل: “ذلك لا يكفي”. ومنذ ذلك الحين ونحن ندور في الحلقة نفسها.
هذه الحكومة إن تشكّلت ستُنظِّم الانتخابات النيابية. ومن خلالها تتطلّع القوى السياسية إلى ما يمكن أن تحصّله من مكتسبات وأسلحة ثقيلة تستخدمها لتحافظ على وجودها. لا أحد يقود معركة البطون الخاوية، بل يستعدّ الجميع لخوض معركة نجاته السياسية عبر البطون الخاوية.
فهل يدحض فريق رئيس الجمهورية كلّ التهم الموجّهة إليه بالتعطيل من أجل إنقاذ الحياة السياسية لجبران باسيل؟ وهل يدحض جبران باسيل كلّ التهم الموجّهة إليه باشتراطه الحصول على ضمانات سياسية لبقائه على قيد الحياة السياسية، والتمهيد لإزالته عن لائحة العقوبات، مقابل تسهيله تشكيل حكومة توفّر الانتقال السياسي للبلاد إلى مشهد آخر ستظهر معالمه بعد انتهاء الاجتماعات المغلقة حول مستقبل المنطقة؟ أم سندور في حلقة مقفلة، ويبقى مصيرنا معلّقاً بالمفاوضات الدولية التي لا مقعد للبنان فيها حتّى الآن؟
منذ يومين قرأ البعض في مضمون الاتصال بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، إشارة إيجابية قد تفرج عن تشكيل الحكومة، لا سيما وأنّه تمّ ذكر الدور المسهّل والمساعد لحزب الله في عملية التشكيل. وفيما تنفس البعض الصعداء في لبنان، سأل البعض الآخر: لماذا على الإيراني، في ظلّ زحمة المفاوضات حول المنطقة، أن يساهم في ورقة حل ويقدمها إلى الفرنسي؟ فهو متى أراد ذلك فعلاً، سيقدمها إلى الأصيل وليس إلى الوكيل.
أيام ويظهر خيط “الاعتذار” الأسود من خيط “التأليف” الأبيض في الملف الحكومي.
وقد نُقِل عن مستشار رئاسي سابق التالي: ” قال الدجال لحدا اليوم: ألف مرة بلا حكومة، ولا يتبهدل الجنرال بآخر عهدو… الترجمة: راحت الحكومة وراح البلد”.
الأرجح إذاّ أنّ اللون الأسود سيطفو على سطح المشهد الحكومي…