تتجّه الأنظار الى لقاء عمان الرباعي الذي سيُعقد غداً على مستوى وزراء الطاقة في مصر، الاردن، سوريا ولبنان لإحياء خط الغاز المصري عبر الأراضي السورية الى لبنان واستيراد الطاقة الاردنية. وإنّ كل ما سبق هذا اللقاء لم يكن ضرورياً، خصوصاً زيارة الوفد اللبناني الى دمشق التي فُرِضت لأسباب سياسية ودعائية شكلية، فلبنان أقل المستفيدين من المشروع قياساً على ما يَجنيه الأطراف الآخرون الثلاثة. كيف ولماذا؟
بمعزلٍ عن الرسائل المدوية التي أُريدَت من زيارة الوفد الوزاري الى دمشق والملاحظات القاسية التي رافقتها، بما فيها غياب العلم اللبناني عن يمين نائبة رئيس الحكومة في أثناء استقبالها في صالون الشرف على الحدود السورية الذي أثار جدلاً طويلاً أتاحَ للمعترضين على الزيارة استثمار الصورة الى أقصى الحدود، خصوصاً انّها أحيت الشكوك في ذاكرة اللبنانيين الذين لم يرتاحوا اليها في توقيتها وشكلها ومضمونها وطريقة تعاطي دمشق مع المسؤولين اللبنانيين بطريقة توحي انّ العلاقة لم تَستوِ يوماً.
وإن توغّلَ المعترضون على الزيارة، وهم أكثر من قبل، فإنّهم يتوزّعون على أكثر من موقع رسمي وحكومي وحزبي في قراءتهم للعلاقة بين البلدين، فيرون انّ تبادل السفارات لم يغيّر شيئاً في العلاقة بين البلدين. فوجود سفيرين – مسألة فيها نظر – ذلك انّ في بيروت سفيراً معروفاً لدى جميع اللبنانيين والسلك الديبلوماسي، ولا يغيب عن الشاشات اللبنانية يُقدّم النصح والآراء الى حدود التدخّل في كثير من القضايا الداخلية، وآخر كُلّف مهمة في دمشق ولكن من الصعب معرفة مقر إقامته أكان في سوريا ام في لبنان منذ ان قدّم اوراق اعتماده، ولولا زيارة الوفد الوزاري الاخيرة لما تَذكّره كُثر.
وإن عاد المراقبون الى موضوع الزيارة، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات عند البحث في أهميتها ومضمونها لجهة إتمام التفاهمات الغازية والكهربائية بعدما تحدثت «الزيارة ـ الغارة» عن شكلها المطلوب، والتي نفّذت على عجل ولساعات قليلة. وعند البحث في النتائج وشكل الاتفاقيات والوثائق المتبادلة ومضمونها، تبيّن انّ تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري نصري خوري بسطوره القليلة كان كافياً للكشف عنها، ومفاده انّ سوريا وافقت على إحياء خط الغاز عبر أراضيها وتركَ الجانبان للتقنيين ترجمة التفاهمات المتبقية.
هذا في الشكل، امّا في المضمون، وإن قال قائل انّ الزيارة كانت «لزوم ما لا يلزم» ولم تتعدّ إطارها الشكلي، فقد كان لا بد منها في السياسة ومن خارج الإطار الحكومي الكامل. فرئيس حكومة تصريف الاعمال لم يقل كلمته في الخطوة سلباً او ايجاباً، لأنّ المهم سيأتي من «لقاء عمان الرباعي» غداً، والذي يجب انتظار ما يمكن ان ينتهي إليه عملياً. ففيه «بيت القصيد»، حيث ستتقرّر مختلف المراحل التنفيذية والخطط اللازمة، بما فيها توزيع الحقوق والواجبات، بعدما فَصَلت الولايات المتحدة الاميركية بين المشروع وبرامج العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر» وأبعدته عنها.
وعلى هذه الخلفيات، يمكن الاشارة الى كثير من الحقائق التي ما زالت خافية على كثير من اللبنانيين، فالفكرة في حد ذاتها ليست ابنة ساعتها، ومَن فَتحَ الموضوع ليس الجانب اللبناني ولا السفيرة الاميركية في بيروت دوروتي شاي التي أبلغت الى رئيس الجمهورية قرار إدارتها إعطاء الضوء الاخضر للمشروع قبل خطوة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله باستيراد الفيول الايراني وبعدها. وعليه، لا يمكن لأحد من العارفين بتفاصيل المشروع تَجاهُل دور الأردن السَبّاق في إحيائه. فتجديد العمل بالمشروع كان بمبادرة أردنية، قبل ان يكون للبنان او لأي طرف آخر اي دور في إحيائه بعدما وُضِع على لائحة المشاريع التي اقترحها الملك عبدالله على الرئيس بايدن لمساعدة لبنان على تجاوز واحدة من أزماته. فالقمة الأردنية – الأميركية التي عقدت في 18 تموز الماضي شَكّلت في توقيتها أولى الزيارات لرئيس دولة عربية يلتقي بايدن منذ دخوله البيت الأبيض. وهي قمة تناوَلت، من ضمن ما تناولته من ملفات إقليمية ودولية، ملف الربط الرباعي الكهربائي لتزويد لبنان الطاقة الكهربائية لِتَعذّر إحياء المشروع الذي توقف العمل به قبل عقد من الزمن، وكان يقوم على الربط السداسي الذي يضيف العراق وأراضي السلطة الفلسطينية الى مجموعة الدول الاربع التي ستلتقي في عمان يوم غد.
وفي التفاصيل انّ الاردن هو مَن تولّى هذه المهمة، بعدما اجرى ما يمكن إجراؤه من الاتصالات الضرورية مع النظام السوري للتخفيف من آثار الحصار عليه قبل القمة، واعداً إيّاه بهذا الاستثناء من مقتضيات العقوبات ولائحتها. فسوريا من الدول المستفيدة منه كبقية الدول الثلاث ولبنان آخر المستفيدين، قياساً على حجم ومردود المشروع المالي عليها. بطبيعته، تقول انّ مصر اكبر المستفيدين في اعتبارها مَنشأ للمادة الغازية وانّ تسويقها له مردوده المالي الصافي، والاردن ثانيها كما سوريا فلهما حصة كبيرة من الرسوم لقاء العبور بالخط عبر أراضيها. وعَدا عن حجم المساهمة في زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية لتفيض عن الاردن لِبَيعها الى الدولتين الأخريين، فسوريا ستستفيد من الرسوم والغاز معاً، وتعزيز إنتاجها قبل لبنان الذي عليه دفع فاتورة الاستيراد بلا أي رسوم. فيُعدّ عندها من اقل الرابحين باستثناء ما سيوفّره له ما يحتاجه من الطاقة بكلفة زهيدة قياساً على ما يتكبّده اليوم.
عند هذه المعطيات المتوافرة يمكن القول انّ من يعتقد انّ استجرار الفيول الايراني هو مَن أحيا هذا المشروع لا يعدو كونه انتصاراً وهمياً لا اساس له. فهو، وإن تزامَن الاعلان عنه مع انجاز الصفقة الاردنية ـ الاميركية، لم يقدّم أو يؤخّر في مساعي الأردن ومصر لإحياء المشروع. وعندها، يصح القول ان مبادرة «حزب الله» هي التي شكّلت رد فعل على ما تحقق من المبادرة الاردنية التي كشف عنها الرئيس سعد الحريري يوم اعتذاره عن مهمة التأليف في 18 تموز الماضي، تزامناً مع عقد قمة عبدالله – بايدن في واشنطن وليس العكس. وهو ما يُنهِي مَقولة انّ الباخرة الايرانية «الضائعة» هي التي قادت الى الموافقة الاميركية استباقاً لوصولها وأخواتها التي سَتليها. ففي حال توافرت هذه البواخر وبالحجم الاقصى المتوقّع، ان دخلت الى الاسواق اللبنانية بأي شكل من الاشكال، فهي لا تساوي ما تستورده اصغر شركة لبنانية من المشتقات النفطية في أقل من اسبوع.
وبناء على ما تقدم، لا يمكن تجاهل هذه العناوين لتتجه الأنظار الى لقاءات عمان غداً، مع اليقين انّ برامج العقوبات الاخرى على سوريا لن تتأثر بما تمّ استثناؤه في الأمس القريب. وما على اللبنانيين سوى تَرقّب البرنامج المتوقّع لإحياء المشروع، وهو عملية قد تستغرق أشهراً عدة، لكنّ نتائجها البعيدة المدى قد تساهم في حل مشكلة الطاقة في لبنان لفترة توازي التحضيرات التي على الحكومة العتيدة القيام بها لاستعادة إنتاجها بما يكفي لبنان والنازحين السوريين والفلسطينيين المقيمين على أرضه.