ارشيف الموقع

«إسرائيل» ليست حكماً مؤبّداً

(أ ف ب )

الأخبار- جمال غصن

 

الحياة الأبدية وعدٌ سماويٌّ وُلد غالباً من حاجة الإنسان الفاني إلى المواساة وتقبّل مفهوم الموت والنهاية. في المقابل، حُكم السجن المؤبّد في السجون هو القصاص الأقسى للمسجون، إذ يُبقي السجين سجيناً حتى النهاية، خاصة بعدما قرّر بعضٌ من الإنسان المعاصر أن هذا القصاص أكثر إنسانية من إنهاء الحياة عمداً بالإعدام. طبعاً كثيرة هي الدول الإنسانية التي تدّعي الحرص على عدم إنهاء حياة مساجينها إعداماً، بينما تستسهل رمي القنابل والصواريخ فوق رؤوس شعوب بأكملها في حروبها الاستعمارية. «إسرائيل» هي من «الدول» المدّعية تلك الإنسانية، إلى جانب الكثير من الادّعاءات الأخرى، من ادّعاء «نور الأمم» التوراتي إلى ادّعاء الحصرية الديمقراطية في «الشرق الأوسط» وادّعاءاتها المطبخية الهزلية.
عندما تقترب النهاية، تتخبّط محاولات تقبّل ثقل الفناء مع مشاعر اليأس، إذ يزيد العجز والانزعاج، ولا تخفيه محاولات التحايل على الواقع، ولا الخبرة وأساليب التكيّف المكتسَبة مع العمر. فالأوجاع تتزايد، والأعضاء تترهّل، والاندفاعة تنكفئ، ووحده مَن تصالح مع الموت وكانت حياته خالية من مؤنّبات الضمير يمكنه الاستمتاع بالراحة النفسية في الأنفاس الأخيرة. أمّا من عاثوا في الأرض فساداً، ومهما علا شأنهم، فهم دائماً ملاحَقون من شبح أفعالهم، لأنهم يدركون شرّهم ويخافون من أن يأتيهم من يشبههم ليقتصّ منهم في النهاية، فما لهم إلّا نكران الحقيقة إلى أن تُباغتهم من تحت الأرض.

تتخبّط «إسرائيل» وسلطاتها اليوم في شرح عجزها عن إكمال حكم المؤبّد بحقّ أبطالٍ مقاومين تحرّروا من سجن جلبوع المحصّن والمخصّص لسجناء يهدّدون أمن الاحتلال. كيف قاموا بحفر نفق من دون أدوات؟ متى بدأوا مشوارهم نحو الحرية؟ كم دامت عملية الحفر؟ ماذا فعلوا بالتراب والصخر المستخرَج من الحفرة؟ من ساعدهم في الخارج؟ هل ساعدهم أحد في الداخل؟ ما هي السيارة التي نقلتهم بعد أن نالوا الحرية؟ أم كان موكباً؟ هل توجّهوا جنوباً نحو جنين وضفة التنسيق الأمني، أم شرقاً نحو مملكة وادي عربة واتفاقية الغاز، أم شمالاً نحو الجنوب الحرّ الآمن؟ لا يهمّ، الأكيد أنهم خرجوا للمواجهة، بل واجهوا فخرجوا. وهنا نصيحة للعدو: «حاج تحلّل بحياتك…»، فالعمليات الحسابية لعمق النفق وعرضه لا نفع لها عندما تكون الحفرة بحجم نهاية أسطورة.
الحكم المؤبّد هو أن تنتظر نهايتك وأنت عاجز وتعجز أكثر مع مرور الوقت. هذا ما يريده منك السجان المحتلّ والمستعمر المهيمن. لا تقاوموا فلن تقدروا. لكنّ انتظار النهاية المرادة لك ليس قدراً، والحفر اليومي، حسابياً، يوصلك إلى حيث يعجز الآخر عن تقرير مصيرك ونهايتك. وهنا، التخبّط يصيب الذي يتفاجأ بما يحدث، لا الذي يعمل على تحرّره والذي هو مَن حدّد أن تكون «الساعة الصفر» فجر الأمس في سهل بيسان، تماماً كمَن حدّد الرمي في وجه قنّاصٍ من المسافة الصفر. مع إعادة الاعتبار لصفر البداية، ينتهي الحكم المؤبّد، فـ«إسرائيل» مؤبّدة إلى أن يُنهيها مَن يعمل على التحرّر منها، واليوم نهايتها أقرب من أيّ وقت مضى. سُداسيّ جلبوع قرّروا المواجهة، ولم ينتظروا النهاية كما قرّرها لهم السجّان، وحتى لو انتهى الأمر بشهادتهم، فهم فرضوا ذلك وغيّروا التاريخ، وقرّبوا «ساعة الصفر» المقرّرة لنهاية «إسرائيل»، والتي لن تفاجئ إلّا من قرّر أو أقنع نفسه بأن «إسرائيل» حكمٌ مؤبّدٌ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى