العلاقة مع سوريا لا تمرّ بأميركا: الحكومة أمام الفرصة الأخيرة؟
الأخبار
حتى اليوم، لا يزال التأليف لغزاً. ينام الناس على خبر تأليف الحكومة صباحاً ويصحون على عقَد لم تكن موجودة في اليوم الذي سبق. هذه المرة ضُرب موعد جديد لزيارة ميقاتي إلى قصر بعبدا. يوم غد الثلاثاء ليس موعداً حتمياً لتأليف الحكومة، لكنه موعد لحسم ما إذا كانت ستُؤلّف أم لا. على ما يتردّد، فإن ميقاتي سيزور رئيس الجمهورية غداً حاملاً معه تشكيلة جديدة. لكن إذا لم يتم الاتفاق قبل أن يحين موعد الزيارة على حل لمسألة حقيبة وزارة الاقتصاد، وإذا لم يسحب ميقاتي مطلبه المستجد بالحصول على حقيبة الطاقة، كما تؤكد مصادر مطلعة، فإن يوم غد سيكون موعد الارتطام بالمجهول، من دون أن يعرف ما إذا كانت الخطوة التالية لميقاتي ستكون الاعتذار، لثقته بأن رئيس الجمهورية لن يصدر تشكيلة لا يملك الثلث المعطل فيها، أم ستكون البحث عن مسعى جديد أو توليفة جديدة، لا تكون حكماً على شاكلة تشكيلة الـ 14 وزيراً التي طرحت للتداول بشكل غير رسمي.
ولأن هامش المناورة يضيق، نشطت اتصالات على أكثر من صعيد لتذليل العقبات الأخيرة تمهيداً لإعلان التشكيلة الحكومية. ولذلك، فإن 48 ساعة حاسمة تنتظر التشكيل. وإذا كانت مصادر مقربة من عملية التأليف تبقي على حذرها، مفضلة الإشارة إلى تساوي فرص التشكيل والاعتذار، فقد كانت التغريدة التي نشرها النائب جميل السيد كافية لتعيد الأمل بإمكانية الحسم. السيد أعلن أنه خلال الـ24 ساعة الماضية جرت اتصالات أميركية رفيعة المستوى بالرئيسين عون وميقاتي لتشكيل الحكومة في أسرع وقت. وقد ترافق ذلك مع مسعى فرنسي مكثف نتج منه تفاهم شبه نهائي على حكومة من ثمانية وزراء لكل فريق.
لكن مصادر التيار الوطني الحر لا تزال على موقفها الرافض لحكومة وفق صيغة «3 تمانات»، وهو ما يرى فيه التيار «مثالثة غير مقنّعة». وتشير المصادر إلى أن المشكلة ليست في «ثلث معطِّل» لم يطالب به رئيس الجمهورية، بل في أن الرئيس المكلف يُخرج مطلباً جديداً كلّما تم الاتفاق على الشكل العام للحكومة. وتشدّد المصادر على أن العقدة ليست في حقيبة محددة، ولا في تسمية الوزيرين المسيحيين، بل في «مجمل الحكومة». وتؤكّد المصادر أن الحكومة يجب أن تُبصر النور قريباً جداً، وكان يجب أن تتألف منذ مدة، ومن الممكن أن تُعلَن في أي وقت في حال لم تُخترع مطالب جديدة.
وفي سياق متصل، كانت الأزمة الحكومية حاضرة في الاتصال الذي أجري بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أكَّد دعمه «تأليف حكومةٍ لبنانيةٍ قويةٍ وقادرة على توفير حقوق الشعب اللبناني والمحافظة عليها». وأضاف رئيسي «إننا لن نتردد في تقديم كل أنواع الدعم والمساعدات الإنسانية إلى الشعب اللبناني، ومستعدون للتعاون مع فرنسا لتنمية لبنان وتطويره»، لافتاً إلى أن «الشعب اللبناني يعاني العقوبات الاقتصادية، وفي إمكان فرنسا أن تؤدّي دوراً في رفع هذه العقوبات». وأشار رئيسي إلى أنَّ «بذل الجهود والمساعي، من جانب إيران وفرنسا وحزب الله، من أجل تأليف حكومةٍ لبنانيةٍ قويةٍ، يمكن أن يكون لمصلحة لبنان».
من جهته، شدّد ماكرون على «ضرورة تعاون فرنسا وإيران، إلى جانب حزب الله، من أجل تأليف حكومة لبنانية قوية».
لبنان في دمشق… رسمياً
إلى ذلك، شكلت الزيارة الرسمية الأولى من نوعها منذ عشر سنوات لسوريا الحدث الأبرز خلال نهاية الأسبوع. وكان لافتاً أن الرضى الأميركي على الزيارة من بوابة السعي لتفعيل اتفاقية الغاز مع مصر، سمح بتسهيل مرورها، حتى من قبل عتاة معارضي سوريا. فقد بدا جلياً أن رفض هؤلاء لعودة العلاقات مع سوريا لا يرتبط بأي مبدأ أو قناعة، بل يعود بالدرجة الأولى إلى التماهي مع الموقف الأميركي السعودي. ولذلك، ما إن رفعت أميركا الفيتو عن التواصل مع سوريا، حتى أمكن رصد مواقف من قبيل «لا مشكلة لدينا إذا كانت زيارة الوفد اللبناني لسوريا ستجلب الكهرباء إلى لبنان». وهذا الموقف الصادر عن نائب «المستقبل» هادي حبيش أتبعه بالاستغراب من افتراض أنه معارض لها، ليقول: «أهلاً وسهلاً بالغاز من سوريا ومن أي دولة أيضا، شو هالمصيبة. أميركا سمحت للبنان باستجرار الغاز والكهرباء عبر سوريا، كتّر خيرن».
وبعد أسبوعين على إعلان رئاسة الجمهورية تبلّغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن، مروراً بسوريا، زار الوفد اللبناني المؤلف من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال، وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، ووزير المالية غازي وزني، ووزير الطاقة ريمون غجر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وعقد لقاء في مقر الخارجية السورية، بحضور وزيري الخارجية فيصل المقداد، والنفط بسام طعمة.
وفي مؤتمر صحافي، بحضور المجتمعين، قال الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري، نصري خوري: «طالب الجانب اللبناني بإمكانية مساعدة سوريا للبنان في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، ورحب الجانب السوري بالطلب، وأكد استعداد سوريا لتلبية ذلك». واتفق الجانبان على متابعة الأمور الفنية عبر فريق فني مشترك. ومن المنتظر ان تشهد الأيام المقبلة اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمّان، لوزراء سوريا والأردن ومصر ولبنان، لتوقيع مذكّرة تفاهم بشأن نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، كما لتوقيع مذكرة أردنية – سورية – لبنانية لاستجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان.
وبالرغم من الطابع التقني لزيارة الوفد اللبناني إلى دمشق، إلا أن الجانب السياسي كان حاضراً بقوة، فطبيعة الوفد تعبّر عن موقف بالانفتاح الرسمي مجدداً على سوريا، التي قاطعها الحكم في لبنان منذ بداية الأزمة السورية. كما بدا لافتاً تصريح خوري باسم المجتمعين، بما يوحي أن سوريا إنما أرادت أن تؤكد أن اتفاقية التعاون والتنسيق لم تمت ولا تزال هي الناظم للعلاقة بين البلدين، حتى بوجود تبادل دبلوماسي.
بالنتيجة، ولكي لا يكون التوجه اللبناني مرتبطاً بتنفيذ قرار أميركي حصراً، لم يعد مسموحاً بأن تبقى العلاقة مع سوريا أسيرة أهواء ومصالح فئات تعتاش على تنفيذ أجندات خارجية. واقع الحال أن البلد وصل إلى حدود من الانهيار يمكن أن تقضي على كل سبل العيش فيه، وهو لا يملك حدوداً إلا مع سوريا، التي يشاركها التاريخ والجغرافيا. ولذلك، فإن لبنان الرسمي مطالب بتفعيل كل أشكال التعاون مع سوريا، تمهيداً لتفعيل كل الاتفاقيات التي تجمع بين البلدين، بما يعود بالنفع عليهما معاً. فهل يكون رئيس الجمهورية الذي لطالما أبدى استعداده لزيارة دمشق أول من يعلنون عودة العلاقات السياسية مع سوريا؟ أم ربما يسبقه الرئيس نبيه بري الذي طال غيابه عن دمشق؟
عون: عدم توزيع الخسائر حمّل الشعب مسؤولية الانهيار!
أكد الرئيس ميشال عون أن «إفشال كل خطة تطرح للتعافي المالي والاقتصادي أو عدم وضعها من الأساس، إنما يعني شيئاً واحداً وهو أن المنظومة الفاسدة التي لا تزال تتحكم بالبلد والشعب تخشى المساءلة والمحاسبة، ذلك أن أي خطة تعافٍ تنطلق من ثلاثة مرتكزات، أولاً تحديد الخسائر وتوزيعها، وثانياً تحديد المسؤوليات والمحاسبة، وثالثاً تحديد سبل المعالجة».
وقال خلال استقباله وفداً شبابياً في قصر بعبدا: «عدم تحديد الخسائر المالية وتوزيعها بين المصرف المركزي والمصارف والدولة أدى إلى أمرين خطيرين، الأول تجهيل المسؤولين عن خراب البلد مالياً، والثاني تحمّل الشعب حالياً وحده مسؤولية الانهيار المالي واستنزاف ودائعه المصرفية وأصوله، في حين أن الشعب هو الضحية وليس المرتكب وليس بإمكان أحد، مهما علا شأنه، أن يحمّل الشعب بأكمله سياساته الخاطئة والمدمرة والفاسدة».
أضاف: «على الشعب أن يعرف من يذلّه يومياً للحصول على أبسط حقوقه ومنعه من التصرف بأمواله في المصارف وأصوله بحرية. كل ثورة شعبية يجب أن تصبّ في هذا الاتجاه: تحديد الخسائر وتوزيعها، تحديد المسؤوليات، محاسبة المسؤولين، إيجاد الحلول على نفقة من تسبّب بالكارثة المالية ومسؤوليّته وعدم تحميل الشعب مباشرة وحده من دون سواه أوزار الأزمة».